في تطور سياسي لافت أثار اهتمامًا واسعًا في الأوساط الأمريكية والإسرائيلية، فاز المرشح المسلم زهران ممداني بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك، متفوقًا على حاكم الولاية السابق أندرو كومو، في ما اعتبره مراقبون “زلزالًا انتخابيًا” يعكس تحولات عميقة في المزاج السياسي الأمريكي.
وبعد فرز أكثر من 90 بالمئة من الأصوات، حصل ممداني على 43.5 بالمئة من الأصوات، مقابل 36.3 بالمئة لكومو، وفق تقارير أمريكية.
وفي حال فوز ممداني في الانتخابات العامة المقررة في تشرين ثاني/نوفمبر المقبل، سيكون ممداني أول عمدة مسلم في تاريخ نيويورك، وأصغر من يتولى هذا المنصب على الإطلاق.
النتيجة، التي أقر بها منافسه كومو قبل إعلانها رسميًا، أربكت الحسابات التقليدية للسياسة المحلية، خاصة أن كومو كان مدعومًا من اللوبي الصهيوني ومموّلاً من كبار رجال الأعمال، إذ بلغت ميزانية حملته الانتخابية نحو 35 مليون دولار، مقارنة بـ9 ملايين فقط لممداني، وفق مصادر أمريكية.
علقت صحيفة /يديعوت أحرونوت/ العبرية على الحدث بقلق واضح، مشيرة إلى أن “الأوساط المؤيدة لإسرائيل تشعر بقلق مفهوم من احتمال انتخاب ممداني عمدةً لنيويورك، التي تُعدّ موطنًا لأكبر جالية يهودية خارج إسرائيل (نحو 1.6 مليون يهودي)”.
وأضافت الصحيفة: “السياسة في نيويورك والحزب الديمقراطي يدخلان الآن مرحلة جديدة – أكثر شبابًا، وأكثر التصاقًا بالواقع، وأقل تعاطفًا مع إسرائيل، وبميول يسارية غير مسبوقة”.
وتابعت أن “ممداني أعلن صراحة، في حال انتخابه، أنه سيأمر باعتقال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو إذا زار المدينة، تنفيذًا لمذكرة التوقيف الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية.”
ويرى خبراء ومحللون سياسيون أن فوز المرشح المسلم زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية لمنصب عمدة نيويورك لا يعكس مجرد انتصار انتخابي فردي، بل يكشف عن تحوّل أعمق في المزاج السياسي الأمريكي، لا سيما لدى فئة الشباب، في ظل تصاعد الغضب الشعبي تجاه السياسات الإسرائيلية في غزة، وتراجع سطوة اللوبيات التقليدية.
ويذهب عدد من الأكاديميين والمحللين إلى أن هذا الفوز يمثّل لحظة مفصلية تكشف أثر الحرب الإسرائيلية على غزة في إعادة تشكيل أولويات الناخب الأمريكي، وفتح المجال أمام أصوات جديدة أكثر جرأة في التعبير عن رفضها للإبادة الجماعية، وتأييدها الصريح للقضية الفلسطينية.
وعلق الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة، على فوز زهران ممداني قائلًا: “غزة تدلي بصوتها في نيويورك!”، في إشارة رمزية إلى الأثر العميق للعدوان الإسرائيلي على غزة في تشكيل وعي الناخب الأمريكي.
وأوضح الزعاترة، عبر حسابه على منصة “إكس”، أن “نشاط المرشح المسلم الشاب زهران ممداني في دعم القضية الفلسطينية ومعارضته الصريحة لحرب الإبادة في غزة، كان له دور بارز في استقطاب أصوات الشباب، وهو ما مكّنه من الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك، متفوقًا على منافسه المدعوم من اللوبي الصهيوني”.
وأكّد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية خليل العناني، أن ممداني يمثل تحولًا تاريخيًا، ليس فقط لكونه أول مسلم يقترب من رئاسة بلدية نيويورك، بل لأنه انتزع الفوز من مرشح المؤسسة والنفوذ المالي والسياسي.
وقال العناني، إن “فوز زهران ممداني بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك يمهد على الأرجح لفوزه بالمنصب رسميًا، ليصبح بذلك أول مسلم يتولى هذا المنصب في تاريخ المدينة”.
وأضاف عبر حسابه في موقع “فيسبوك”، أن “ممداني، المولود عام 1991، ينحدر من أبوين مهاجرين — أب أوغندي وأم هندية — وكلاهما من الشخصيات المعروفة في مجالهما”.
لكنه لفت إلى أن “المفاجأة الحقيقية لا تكمن في خلفية ممداني، بل في هزيمته لمنافس قوي بحجم أندرو كومو، حاكم نيويورك السابق، الذي حظي بدعم اللوبي الصهيوني، وتمويل من المليارديرات، وارتباطات بما يُعرف بـ”الدولة العميقة” داخل الحزب الديمقراطي، إذ بلغت ميزانية حملته نحو 35 مليون دولار، مقابل 9 ملايين فقط لممداني”.
وأشار العناني إلى أن “الأسابيع الماضية شهدت حملة تشويه شرسة ضد ممداني، اتُّهِم خلالها بمعاداة السامية والتطرف الإسلامي، لمجرد موقفه الصريح ضد الإبادة الجماعية في غزة، ودعمه للقضية الفلسطينية”.
وأوضح أن “قاعدة مؤيدي ممداني شكّلتها شرائح الشباب، والناخبون المسلمون، والآسيويون، والمتعلمون، في مقابل تصويت اليهود والسود لكومو”، مؤكدًا أن هذا الفوز “يمثّل محطة مفصلية تعكس التحوّل العميق الذي أحدثته غزة في وعي الناخب الأمريكي”.
الكاتب والإعلامي الفلسطيني المقيم بأمريكا نظام المهداوي أشار إلى أن فوز ممداني، رغم وجود أكثر من مليون يهودي في نيويورك، يعكس “تحولًا دراماتيكيًا في المزاج العام”، لافتًا إلى استطلاع رأي نشرته صحيفة “هآرتس” مؤخرا أظهر أن “التأييد لإسرائيل بين الأمريكيين بلغ أدنى مستوياته منذ عام 2001، فيما صعد التعاطف مع الفلسطينيين إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عقدين”.