لطالما تغنى الإسرائيليون بقبتهم التي لا تخرق، غير أن ميدان القول غير ميدان العمل، راجعوا خبراء الدفاع الجوي وستعرفون أن معضلة إسرائيل الكبرى هو جغرافيتها الضيقة، هي كيان توسعي يريد اقتضام كل شبر من الأرض ليوسع به سماءه الدفاعية.
تخيل معي حوش بيت ريفي ضيق يقذفه كل جيرانه بالحجارة، لن تصمد نوافذ الحوش مهما علت أسوار الجار السوء، هكذا هي إسرائيل، تخشى أن تردمها الهجمات الجوية أو الصاروخية.
بناءً على المعلومات الواردة في المصادر المتاحة، يمكن إرجاع فشل إسرائيل في اعتراض كافة الصواريخ الإيرانية وفق العوامل العسكرية واللوجستية إلى محدودية قدرات التصدي لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، إذ تواجه منظومات مثل “القبة الحديدية” قيودًا في التغطية الجغرافية، حيث تُركز حماية المنظومة على المراكز السكانية الأساسية دون تغطية كامل الأراضي المحتلة، هذا يفسر سهولة استهداف المركز العملياتي العسكري الإسرائيلي الملاصق لمستشفى “ساكورا” في بئر السبع جنوب إسرائيل، غالبية بطاريات الدفاع الجوي متمركزة في مدن تل أبيب الكبرى، بمعنى أن على إسرائيل أن تفاضل بين سكانها ومدنها، من الأولى بالحماية.
حتى أن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أشار في مقابلة مع CNN قبل 3 لأيام إلى أن قدرة منظومة “القبة الحديدية” على الاعتراض لها حدود، رغم تقدمها التقني، خاصة في مواجهة الهجمات المتزامنة من اتجاهات متعددة.
(مرفق بالتعليقات إحداثيات لبعض مواقع بطاريات الدفاع الجوي)
تطور تكتيك الهجمات الإيرانية:
منذ يومين بدا أن إيران غيرت تكتيكها من الاستهداف الليلي المكثف، واستخدمت تشكيلًا هجوميًا يجمع بين الصواريخ الباليستية مثل “سجيل” و” خرم شهر” الفرط صوتية، مع تعمد إطلاق المسيّرات القتالية الثقيلة مثل آرش، بعد إغراق رادارات القبة الحديدية بعدد أكبر من الصواريخ والمسيرات الأقل سرعة وحمولة.
أدى ذلك إلى وصول رؤوس حربية تصل إلى طن ونصف تحملها الصواريخ التي تدخل الحرب لأول مرة، إلى أهدافها بدقة، ما أحدث تدميرا هائلا وصدمة لدى القيادة والشعب في إسرائيل.
أما اعتراف الجيش الإسرائيلي مؤخرا بأن إيران استخدمت صاروخا متعدد الرؤوس الحربية، تتناثر منه صواريخ صغيرة متفرقة قبل انفجاره، فهذه تقنية جديدة تشكل تحديا جديدا لمنظومات الدفاع الجوي المنهكة أصلا في إسرائيل.
أخيرا استغلت إيران جيدا مشكلة إعادة التذخير:
إذ تتطلب بطاريات “القبة الحديدية” زمنًا فاصلًا بين إطلاق الصواريخ لإعادة التذخير وتوجيه الرادارات، مما يخلق فجوات دفاعية خلال الهجمات الكثيفة والممتدة والمتتابعة من إيران.
تحتاج منظومة ثاد الأمريكية التي تقع إحدى بطارياتها في صحراء النقب إلى 4 ساعات في المتوسط لإعادة تذخيرها، تقل هذه المدة لمنظومة “حيتس” و”مقلاع داود”، لكن في المحصلة، حين يتصدى 20 صاروخا من مختلف بطاريات الدفاع الجوي لصاروخ إيراني واحد، فهذا يعني انكشاف المنطقة أمام الموجة التالية خلال دقائق، وهكذا يصل الصاروخ الإيراني المرسل بعلم الوصول إلى هدفه بعد إفراغ جعبة القبة الحديدية ومشاغلتها.
ولإخفاء كل ذلك، تفرض الرقابة العسكرية الإسرائيلية حجبًا واسعًا حول تفاصيل الخسائر الفعلية التي تكبدتها بسبب نقص حاد في منظومات الدفاع الجوي، عددا وعدة، وهو ما يُشير إلى وجود ثغرات قد تكون أكبر مما يُعلن، تقدرها مصادر غربية بأن إسرائيل لديها مخزون يكفي بالكاد 12 يوما فقط من صواريخ ثاد وغيرها، ما يعني أنها ليست مستعدة لحرب طويلة.