سير وشخصيات

جاد الحق .. الإمام الزاهد، وفارس فرسان الأزهر الكبار

(د. جاد الحق علي جاد الحق)

أحد عمالقة الأزهر الكبار.. بل فارس الفرسان الأزهريين وشيخهم..

الميلاد: 5 أبريل 1917م، قرية بطرة، مركز طلخا، محافظة الدقهلية (مصر)

الوفاة: فجر الجمعة.. الموافق 15 مارس 1996م، القاهرة

– حفظَ القرآن الكريم صغيرا في كُتّاب القرية، ثم التحق بالجامع الأحمدي بطنطا، واستمر فيه حتى حصل على الشهادة الابتدائية، وواصل فيه بعض دراسته الثانوية، ثم استكملها بمعهد القاهرة الأزهري، وبعدها التحق بكلية الشريعة الإسلامية، وحصل منها على الشهادة العَالِمية، ثم التحق بتخصص القضاء الشرعي في هذه الكلية، وحصل منها على الشهادة العالمية مع الإجازة في القضاء الشرعي سنة 1945م

– عُيِّنَ فور تخرّجه موظفًا بالمحاكم الشرعية، ثم أمينًا للفتوى بدار الإفتاء المصرية بدرجة موظف قضائي، ثم قاضيًا في المحاكم الشرعية في 26 من أغسطس 1954م، ثم قاضيًا بالمحاكم من أول يناير سنة 1956م، بعد إلغاء المحاكم الشرعية، ثم رئيسًا بالمحكمة، وظل يتدرّج في وظائفه حتى “مفتش أول بالتفتيش القضائي بوزارة العدل”

مُفتي مصر

– أصبح مفتيًا للديار المصرية في 22 رمضان 1398هـ، الموافق 26 أغسطس 1978م، فقام بإعادة هيكلتها وتنظيمها، وكان أول من جمع فتاوى “دار الإفتاء” على مدى تاريخها، ليسهل الاطلاع على أي فتوى في أقصر وقت، وقام بإصدارها في “موسوعة” شاملة

– تم اختياره وزيرا للأوقاف في 4 يناير 1982م (شهران فقط) وعقد على الفور اجتماعات ومؤتمرات موسّعة مع الأئمة والخطباء لمعرفة مشاكلهم والعمل على حلها

شيخ الأزهر

بعد شهرين فقط من توليه وزارة الأوقاف، وفي 17 مارس 1982م، صدر القرار الجمهوري بتولية الشيخ جاد الحق مشيخة الأزهر، ليصبح الشيخ الـ42 للأزهر.

– في سبتمبر عام 1988م، تمَّ اختيار الشيخ جاد الحق رئيسًا للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة.

– شهد الأزهر الشريف في عهد الإمام الراحل نهضة كبيرة، فقد انتشرت المعاهد الأزهرية في كل قرى ومدن مصر، وبلغ عدد المعاهد الأزهرية في عهده أكثر من 6 آلاف معهد.

– أنشأ الشيخ جاد الحق (معاهد أزهرية) تخضع لإشراف الأزهر في تنزانيا،  وكينيا، والصومال، وجنوب إفريقيا، وتشاد، ونيجيريا، والمالديف، وجزر القمر، وغيرها من البلدان الإسلامية.

– تضاعفت المِـنَح الدراسية في عهد الشيخ جاد الحق، للطلاب الوافدين من شتى بقاع العالم الإسلامي، وفتح الإمام الراحل باب الأزهر واسعًا أمام الطلاب الوافدين من الوطن الإسلامي وخارجه، ونجح في فتح فروع لجامعة الأزهر في جميع أنحاء مصر، وعقدت الجامعة في عهده لأول مرة مؤتمرات دولية في قضايا: طبية وزراعية وثقافية مهمة، تُحدّد رأي الأزهر والإسلام فيها.

– آخر الزاهدين الكبار، وآخر فرسان الأزهر الذين جلسوا على كرسي المشيخة، فقد عاش حياته كلها، وهو يسكن في شارع جانبي.. شقة بالإيجار في الدور الرابع، في عمارة متواضعة بحي المنيل، شارع لبيب البتانوني، من دون (أسانسير)، أقام فيها مع نهاية حقبة الخمسينيات، حتى رحل عن الدنيا.. متواضعة الأثاث، بها مكتب عبارة عن منضدة لم يغيّرها الإمام الزاهد جاد الحق، طوال 40 سنة.

– كان الشيخ الزاهد – كما يحكي أقاربه – يعاني من الصعود لشقته في الدور الرابع، في سنواته الأخيرة، وكان على مشارف الثمانين، وقد عرض عليه وزير الأوقاف (إحدى الفيلل) التابعة للوزارة، مقابل إيجار رمزي، فرفض الشيخ جاد الحق بحسم.

– يروي أحد أقاربه أنه زاره في أحد الأيام فوجده يرتدي جلبابًا قديمًا، فسأله لماذا لا يرتدي (ملابس) تليق بمكانته كغيره من كبار المسؤولين في الدولة؟ فرد عليه الإمام الأكبر قائلاً: (تأتيني كل يوم مئات الآلاف من الجنيهات من الداخل والخارج، ولكنها تُقدّم لي باعتباري شيخًا للأزهر، فما جاء للمنصب لا يذهب إلا إليه، من إقامة مجمّعات إسلامية، وجامعات، ومعاهد دينية، ويجب أن أكون قدوة لكل إنسان مسلم)

– روى كثيرون من معاوني الشيخ في وزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر، أن الشيخ (كان ينتظر “راتبه الشهري” بفارغ الصبر) فهو لا يملك غيره، وأنهم لم يروا اسمه يوما في كشوف المكافآت والحوافز..

– تبّرعَ بقيمة جائزة الملك فيصل العالمية التي حصل عليها، لبناء مستشفى في قريته، وعندما جاءت منحة من الكويت رصدها لبناء معهد ديني كبير، ورفض أن يطلق اسمه عليه، لكن أهل القرية بعد وفاته غيّروا اسم المعهد لتخليد الشيخ.

ـ الشيخ جاد الحق هو الذي رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، ورفض مقابلة الرئيس الإسرائيلي “عيزرا وايزمان” أثناء زيارته لمصر، وأعلن فى بيان له:

 “أن من يذهب إلى القدس من المسلمين آثم آثم”.

ـ وقف الشيخ جاد الحق على جاد الحق موقفا لا يُنسى من مؤتمر السكان الذى عقدته الأمم المتحدة في القاهرة في الفترة ما بين 5 إلى 13 سبتمبر من العام 1994م، وتناقلت وسائل الإعلام وثيقته قبيل انعقاده، والتي تضمنت إباحة الشذوذ، والزنا، والإجهاض، والمساواة بين المرأة والرجل في الميراث؛  فأصدر بيانًا شديد اللهجة، أهاب فيه بالأمة الإسلامية عدم الالتزام بأي بند من بنود هذا المؤتمر التي تخالف الشريعة.

– وقف الشيخ جاد الحق في وجه الدولة والإعلام المصري، عندما أصدرت وزارة التربية والتعليم قرارا بمنع الحجاب في المرحلة الابتدائية، وأصدر بيانا أعلن فيه مخالفة ذلك للشريعة الإسلامية.

– تصدَّى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق لقرار وزير الصحة المصري بمنع ختان الإناث، وقال: (إنه من شعائر الإسلام ولا يجوز منعه)، وتمسّك الراحل بموقفه بالرغم من الدعاوى القضائية التي أقيمت ضده، وفقا لصحيفة الأهرام الرسمية.

جاد الحق ومبارك

– عندما أراد مبارك أن يستصدر فتوى من شيخ الأزهر، بإباحة فوائد البنوك، وأن تصدر فتوى رسمية من الأزهر بذلك، وكان الأزهر يُحرّمها تماما ويُفتي بأنها (ربا صريح مائة في المائة) وهو الرأي الأرجح لمعظم العلماء، وكان الاقتصاديون قد أوعزوا لمبارك أن الناس لا تضع أموالها بالبنوك بسبب فتوى الشيخ جاد الحق، فقال مبارك في أحد اجتماعاته مع بعض المشايخ ووزير الأوقاف موجهًا حديثه للشيخ جاد الحق: (باقولك إيه يا مولانا.. البنوك قرّبت تفلّس والناس لا تضع أموالها بالبنوك.. عايزين فتوى من فضيلتك تنقذ الاقتصاد المنهار، وتحلل وضع الفلوس في البنوك، لأن الناس بتضع كل ثقتها في الأزهر، وهي ضرورات برضه)

فما كان من الشيخ جاد الحق إلا أن انتفض واقفًا وقال لمبارك بغضب شديد:

(ومن قال لك أني أحرّم أو أُحلل؟ إن الذي يُحلل أو يُحرّم هو الله، ولن تتغير فتواي أبدًا أبدًا بتحريم فوائد البنوك)

فاحمرَّ وجه مبارك خجلا، ووقف وقال للشيخ جاد الحق: يا مولانا ده أنا كنت باهزر!

فواصل الشيخ جاد الحق غضبه علي مبارك وعنّفه قائلاً بمنتهى الحسم:

(هذا موضع لا مجال للهزل فيه)

(مبارك لم يكن يخشى أحدا، أو يحترم أي أحد، إلا الشيخ جاد الحق، لأن والد مبارك كان حاجبه عندما كان قاضيا، والشيخ هو الذي أدخل مبارك الكلية الحربية)

– عارض الشيخ جاد الحق، مسابقة ملكة جمال مصر، ووصفها بأنها “عبث” وعودة للنخاسة والرّق في ثوبٍ جديد، وهذا ما يرفضه الإسلام.

نعم.. والد مبارك كان حاجبًا للقاضي جاد الحق

كان الشيخ جاد الحق يعمل قاضيا في المحاكم الشرعية، عام 1946م، ثم أمينا للفتوى بدار الإفتاء المصرية 1953م، وبعدها بعام عاد للعمل قاضيًا في المحاكم الشرعية عام 1954م.

انتقل الشيخ جاد الحق للعمل قاضيا في المحاكم المدنية، عام 1956م، وظل يعمل بالقضاء حتى تم تعيينه مستشارا في محكمة الاستئناف عام 1976م، وخلال تلك الفترة في القضاء الشرعي، كان الحاجب الخاص به هو “سيّد إبراهيم مبارك” والد الرئيس المصري الراحل “محمد حسني مبارك”

وقد ذكرَ الدكتور مصطفى الفقي أن الشيخ جاد الحق، هو الذي ساعد حاجبه: “سيد إبراهيم مبارك”، في إلحاق ابنه “محمد حسني مبارك” بالكلية الحربية، ولذا كان مبارك لا يخشى إلا منه، ويحترمه جدا، ويبالغ في الاحتفاء به أمام الجميع..

مؤلفاته:

1- الفقه الإسلامي.. مرونته وتطوره.

2- فتاوى إسلامية

3- قضايا معاصرة.

4- رسالة في الاجتهاد وشروطه.

5- رسالة في القضاء في الإسلام.

6- مع القرآن الكريم

7- النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن.

8- الدعوة إلى الله.

9- ونفسٍ وماسواها.

تكريمه والجوائز التي حصل عليها:

1- وشاح النيل، في 1983م، بمناسبة العيد الألفي للأزهر

(وهو أعلى وشاح تمنحه مصر)

2- وسام “الكفاءة الفكرية والعلوم” من الدرجة الممتازة من المغرب.

3- جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، سنة 1995م.

– أوصى الشيخ جاد الحق بأن يصلي عليه الشيخ الشعراوي، وهذا ما حدث بالفعل، فقد كانت تجمعهما صداقة وطيدة جدا..

– بكى الشيخ الشعراوي على قبره، ونعاه بقوله: (تعلّمنا منه ألا نُعَصْرِن الدين، بل نُديّن العصر، فعصرنة الدين تعني أنه غير كامل، حاشا لله).

– رحمَ اللهُ فارس الإسلام، الشيخ جاد الحق، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجعله رفيق النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجنة.

——————-

المصدر: (موسوعة: “شموسٌ خلفَ غيوم التأريخ” – يسري الخطيب)

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى