تشهد منطقة المغرب العربي وبلاد الشام موجة جفاف قاسية وغير مسبوقة، تُنذر بأزمة مائية وزراعية تهدد حياة الملايين، في وقت تتراجع فيه معدلات الأمطار إلى ما دون المتوسط، وتتهاوى مناسيب الأنهار والخزانات الكبرى، على رأسها نهرا دجلة والفرات، إلى مستويات تنذر بالخطر.
تراجع خطير في الموارد المائية
امتدت آثار الجفاف على نطاق واسع لتشمل الأراضي الزراعية في كل من العراق وسوريا ولبنان وليبيا والجزائر، حيث سجّلت هذه الدول انخفاضاً حاداً في معدلات الأمطار الموسمية، ما أثّر بشكل مباشر على الغطاء النباتي، ومواسم الزراعة، وأدى إلى تهديد الأمن الغذائي للملايين من السكان.
وفي العراق وسوريا، وهما من أكثر البلدان تضرراً، بات الوضع حرجاً، إذ تراجعت مناسيب نهري دجلة والفرات – المصدرين الأساسيين للمياه في المنطقة – إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، ما أثّر على أنظمة الري الزراعي، وزاد من الضغط على إمدادات المياه للسكان في المدن والقرى على حد سواء.
الزراعة في مهب الريح
أدى انخفاض المياه المتاحة إلى تقليص مساحات الأراضي المزروعة، لا سيما المحاصيل التي تعتمد على الري المباشر، مثل القمح والشعير والخضروات، وهي سلع أساسية لأمن الشعوب الغذائي. كما أن فشل بعض المزارعين في زراعة محاصيلهم بسبب انعدام المياه، أو تدهور نوعية المياه المستخدمة، ساهم في رفع أسعار الغذاء وزيادة معدلات البطالة في المجتمعات الزراعية.
سوريا والعراق والأردن الأكثر تضرراً
بحسب مصادر متطابقة، فإن سوريا والعراق والأردن تواجه أزمة مضاعفة، إذ إن هذه البلدان تعاني منذ سنوات من ندرة مائية مزمنة بسبب تغير المناخ من جهة، والنزاعات المسلحة والبنية التحتية المتضررة من جهة أخرى. ومع استمرار الجفاف، تُهدد أزمة المياه بتحولها إلى أزمة إنسانية، خاصة مع وجود ملايين النازحين في هذه المناطق ممن يعتمدون على الدعم المائي والغذائي الخارجي.
تحذيرات دولية واستجابة خجولة
منظمات دولية وإقليمية، من بينها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي، حذرت من أن استمرار الوضع دون تدخل سريع قد يؤدي إلى تفشي المجاعة في بعض المناطق، ونشوء توترات اجتماعية نتيجة الصراع على الموارد المحدودة.
وعلى الرغم من التحذيرات، فإن الاستجابة الرسمية من الحكومات لا تزال دون المستوى المطلوب، وسط غياب استراتيجيات إدارة مائية فعالة، واعتماد مفرط على الموارد السطحية غير المستدامة، في ظل قلة الاستثمار في تحلية المياه أو تقنيات الري الحديث.
دعوة إلى تحرك عاجل
يُجمع الخبراء على أن الوقت قد حان لتغيير نهج إدارة الموارد المائية في المنطقة، عبر تحسين البنية التحتية، واعتماد تقنيات ري متطورة، والتوسع في استخدام المياه المعالجة وتحلية مياه البحر، إلى جانب التعاون الإقليمي في إدارة الأنهار المشتركة، التي تشكل شريان الحياة الرئيسي لملايين السكان.
ففي ظل أزمة مناخية عالمية، باتت أزمة الجفاف في المغرب العربي وبلاد الشام نموذجًا صارخًا لعواقب الإهمال البيئي، وسوء التخطيط المائي، وتداعيات تغير المناخ على الاستقرار البشري والاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا