مقالات

جمال سلطان يكتب: الإسلاميون العرب لا يستفيدون من أخطائهم

الحساسية المفرطة لدى التيار الإسلامي في العالم العربي من النقد السياسي محبطة جدا، فأنت لن تتعلم شيئا من أخطائك، إذا لم تعترف بها وتواجهها بشجاعة، ستدفع الثمن مرة أخرى، ومرات، طالما تدفن رأسك في الرمال وتنشغل كل مرة بالبحث عن شماعة/مشجب تعلق عليه أسباب فشلك المتكرر، أو تستسهل إلقاء مسؤولية فشلك أو إفشالك أو هزيمتك على الآخرين، أعداء أو حلفاء على حد سواء، القيمة الوحيدة للأخطاء أن تتعلم منها، فإن أنكرتها أو استسهلت إبراء نفسك تلقائيا من أي مسؤولية عنها فسوف تدفع فاتورتها كاملة دون أن تستفيد منها شيئا، وبالتالي ستكررها، وستدفع الثمن من جديد بلا مقابل ولا قيمة ولا خبرة، فليس العيب في أن تخطئ، العيب في أن لا تتعلم من أخطائك، وطالما أنت تنكرها دائما، فلن تتعلم منها شيئا، والخبرة ـ في السياسة كما في غيرها ـ هي التعلم من الأخطاء، وعندما تنكر أخطاءك وتهرب من مواجهتها والاعتراف بها، فلن تتطور ولا تنمو خبراتك، وستظل جامدا في بنية تنظيمية وفكرية ماضوية سحيقة غارقة في العواطف والأحلام، وأنت تتصور أن ذلك ثبات على المبادئ وتمسك بالعهود.

الاستسلام لخدر المظلوميات لم ينقذ التيار الإسلامي من الكوارث طوال 90 عاما، بل جعله يقع فيها باستمرار، وتتكرر أخطاؤه بحذافيرها أحيانا، المظلوميات لم تفدك أمس ولن تفيدك اليوم أو غدا، هي مجرد مخدر يجعلك تعيش في غيبوبة سياسية مسلية ومسرية، تخفف عنك وجع الشعور بالفشل والهزيمة والتضحيات الباهظة، ميدان الصراع السياسي ليس انتخابات فقط، سواء كانت انتخابات برلمان أو رئاسة أو بلديات أو حتى نقابات، بل أي معركة سياسية أو صدام سياسي تسيء تقدير حساباته، أو تخطئ في إعداد أدواته، أو تسيء اختيار رجاله، أو تفشل في إدارة مواجهاته، أو تورط آلاف الشباب والأسر في دفع أثمان فادحة من دمهم أو عمرهم أو مستقبلهم فيه بقرارات منك رعناء، كل ذلك يلزمك بالاعتذار والاستقالة، بل المحاكمة الداخلية، وإخلاء مقاعد الزعامة لآخرين يتولون القيادة والعمل وإصلاح المسار الذي أدى للانتكاسة والهزيمة، هكذا يفعل «الكبار» في عالم السياسة، في الأحزاب والمنظمات المحترمة والجادة والشفافة، حتى لو كانوا رؤساء جمهورية أو رؤساء وزارة أو وزراء، فكيف بمن لا يملكون سوى السلطة المعنوية على أتباعهم ومحبيهم.

من الحكم السيارة، «في الحياة إذا لم تتعلم من الضربة الأولى فأنت تستحق الثانية»، والإسلاميون العرب تلقوا الضربة الثانية والثالثة والعاشرة، ومع ذلك لم يتعلموا حتى الآن حتى من الضربة الأولى، لأنهم لا يعترفون أساسا بأنهم أخطأوا فيها أو أساءوا التقدير، أو كان يمكنهم تفاديها، ناهيك عن تحميل القيادة مسؤولية تلك الضربات التي دفع ثمنها أجيال من خيرة الشباب، فكل الضربات العنيفة التي تلقوها، والفشل إثر الفشل، لم يخضع لأي عملية تشريح علمي وسياسي دقيق ومراجعات حقيقية جادة ومسؤولة لمعرفة الخطأ كيف حدث، وكيف كان يمكن تفاديه، ومن المسؤول عنه، لأنهم لا يعترفون بأن الخطأ منهم أبدا، الحق دائما على الطليان.

الانشغال بتحميل «الآخرين» مسؤولية هزيمتك أو فشلك بصفة مستمرة، سيضعك في مسار الفشل من جديد، وستبحث وقتها عن «شماعة/مشجب» جديد، لتعيد الفشل مرات أخرى، وهي آلية يحسنها كل فاشل، حتى السيسي يستخدمها بصفة مستمرة ليبرر فشله، ويهرب من مسؤوليته عن الفشل، ولا أذكر قيادة إسلامية واحدة تنحت عن منصبها بسبب فشلها في إدارة أي محطة من محطات الصراع، واعترفت بالمسؤولية بشجاعة ونبل، مهما كانت النتائج كارثية، بل المعتاد أن الفاشل يبقى ويستمر، ويرفض أن يخلي موقعه لقيادة جديدة، بل ويوصف القائد الفاشل بالصلب الصبور الثابت على مبادئه ، لأن التبريرات جاهزة ورخيصة وسهلة، والأتباع يهربون من «صدمة» الاعتراف بالفشل وسوء التخطيط وسوء إدارة المعركة، فيساعدوه ويبررون له فشله، لتستمر دوامة الفشل دورات وراء دورات، ويدفع ثمنها أجيال وراء أجيال، والحصاد «قبض الريح»، وعذابات بلا نهاية، وتضحيات شديدة الإيلام بلا أي عائد.

جمال سلطان

باحث وكاتب صحفي مصري.. رئيس تحرير صحيفة المصريون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى