سألني صديقي العربي في إسطنبول، يا أخي ما سر هذه الكراهية العجيبة التي يكتب بها مثقفون مصريون عن اردوغان؟ تشعر بمرارة وغل تجاهه كأن بينهم وبينه ثأرا، كأنه قتل أبا أحدهم أو عمه، وعندما تتفرس في الكلام أو أسباب ذلك الهجوم لا تجد مادة سياسية أو علمية يمكن أن تكون واضحة أو مفهومة أو محددة، وأحيانا يستجلب الناقد عليه تاريخ الدولة العثمانية التي لم تعد موجودة، ويهزأ به بوصف الخليفة العثماني، وكأن الرجل كان مسؤولا عن حكم مصر ضمن عشرات السلاطين العثمانيين الذين حكموا نصف الكرة الأرضية تقريبا، وليس أنه رئيس جمهورية منتخب للشعب التركي، ويقود الدولة التركية بحدودها الوطنية والسياسية المعروفة اليوم، بما يعطيك الانطباع بأنها حالة تفريغ كراهية ومرارات وأحقاد نفوس أكثر من كونها تعبيرا عن نقد سياسي محدد أو منطقي.
يضيف صديقي: والعجيب أن هذا يحدث من مؤيدي السيسي ومعارضيه على حد سواء، تشعر أنهم يكرهون اردوغان أكثر من بنيامين نتانياهو نفسه، يكتبون في هجاء اردوغان أكثر مما يكتبون في هجاء نتانياهو، رغم أن ما حققه هذا القائد لشعبه من إنجازات اقتصادية وتنموية وسياسية وعسكرية وصناعية جعلها مفخرة دول المنطقة، ناهيك علن الحريات العامة والمنظومة الديمقراطية التي عمقها ورسخها، وتصديه لأخطر معارك تركيا الحديثة ضد الإرهاب ونجاحه الساحق في دحره وتفكيكه واستعادة السلام لوطنه وشعبه بذكاء سياسي استثنائي، وهي حقائق لا ينكرها أي منصف يرى تركيا اليوم، ويعرف كيف كانت قبل اردوغان، وهي انجازات يتمنى كثير من شعوب المنطقة أن تتحقق في دولهم أو أن يرزقهم الله بقائد مثله، يخلص لوطنه وشعبه مثله، ويحقق لهم ما حققه.
وإذا كان الأمر يتعلق بفلسطين وما يجري في غزة، فموقف اردوغان وإدارته سياسيا وديبلوماسيا وإقليميا ودوليا وحقوقيا وإنسانيا وإغاثيا وشعبيا وإعلاميا من أقوى مواقف الزعماء على مستوى العالم، وأكثر المعونات إلى غزة أرسلت من تركيا، وحجبها السيسي في العريش، وأكثر الصدامات الديبلوماسية والسياسية العلنية في الأشهر الأخيرة كانت بين أنقرة وتل أبيب، وأكثر زعيم إسلامي شتمه الإسرائيليون وهاجموه وحرضوا عليه ـ وما يزالون ـ هو اردوغان، وشتائم وزير دفاع العدو له شهيرة، كما أن أكبر دعم ديبلوماسي ودولي لقضية غزة وفلسطين حاليا يصدر من تركيا، واجتماعات قمة إسلامية طارئة على مستوى القادة من أجل غزة عقدت بدعوة من تركيا، ومناشدات علنية بالتضامن واتخاذ موقف واحد يقوي بعضهم ظهر بعض به في مواجهة الحلف الدولي الداعم لإسرائيل صدرت من أردوغان، بلا مجيب مع الأسف، وقيادات المقاومة تستضاف من الرئيس اردوغان ووزير خارجيته مرارا وتكرارا، كدعم معنوي وسياسي كبير، وهو ما لا يحدث من أي بلد عربي أو إسلامي آخر باستثناء قطر، وتتحرك قيادات المقاومة إقليميا بدعم وتنسيق وخبرات من أعلى السلطات في أنقره رغم الاحتجاجات الأمريكية والإسرائيلية المتكررة عن ذلك، وكل أجهزة الدولة التركية مسخرة لمعاونتهم، وأول سفينة إغاثة لكسر الحصار حاولت اقتحام سواحل غزة بدعم رسمي كانت تركية واستشهد فيها مواطنون أتراك، وأكبر منظمات إغاثة دولية تنشط ـ حاليا ـ في غزة حتى اليوم غذائيا وطبيا وغير ذلك هي منظمات تركية واستشهد من كوادرها عدد غير قليل في حرب الإبادة، وأكثر مدن في العالم الإسلامي شهدت مظاهرات وحشودا ضخمة من أجل غزة كانت ـ وما زالت ـ في تركيا، ولا يترك الرئيس التركي أي فرصة دولية ـ مع ترامب أو غيره ـ إلا ومارس الضغط من خلالها لوقف المذبحة، والتبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل المستمر منذ 1949، وعلى مدار أجيال وحكومات سابقة، أوقفه اردوغان بسبب العدوان، وكود التصدير ـ من جذره ـ تم الغاؤه مع الكيان، رغم كثرة الأكاذيب الفاجرة والرخيصة التي تشاع وتتكرر حتى اليوم، ورغم ما سببه ذلك من خسارة كبيرة للاقتصاد التركي الذي يعاني من صعوبات عديدة، لكنه قبل التضحية بطيب نفس.
الشيء الوحيد الذي لم يفعله اردوغان هو إعلان الحرب على إسرائيل والدخول في معركة عسكرية مفتوحة، وهو أمر لم يفعله، ولن يفعله، أي دولة أخرى في العالم بمفردها، لا من العرب ولا من العجم، لأن الجميع يعرف أن هذه الحرب ستكون مع أمريكا وبريطانيا بشكل أساس وليست فقط مع إسرائيل، ولا توجد دولة في العالم كله، مسؤولة عن شعب، يمكن أن تتحمل مثل هذه المعركة ونتائجها الكارثية، حتى إيران التي تاجرت بالمقاومة طويلا، لم تتحمل أكثر من 12 يوما وهرعت إلى اتفاق وقف الاشتباك، وقال قادتها علانية أنهم لم يقصدوا الحرب ولا يريدونها، والتمس لها المثقفون المصريون الأعذار ودافعوا عن تراجعها، فلماذا اردوغان وحده الذي يهاجمه مثقفون مصريون صباح مساء، وبصورة يومية، ولا يتركون أي مناسبة إلا ويغمزونه بها ويتهمونه فيها، في حين يتكلمون بلطف وعلى استحياء مع مهازل تحدث من قيادات بلدهم تجاه حصار غزة وموت شعبها جوعا وعطشا وإبادة ؟!.
بصراحة، تحيرت في الإجابة، لم أجد أي تفسير منطقي أقدمه، رغم تسليمي بصحة ملاحظته.