مقالات

جمال سلطان يكتب: هل قاد أكرم إمام أوغلو انقلابا غير شرعي داخل حزبه؟

الطموح المتعجل، ومحاولة حرق المراحل في سبيل الوصول إلى الهدف، الذي اندفع فيه أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، لحزبه، تسبب في دخول حزبه، حزب الشعب الجمهوري، حزب أتاتورك مؤسس الجمهورية، وأكبر أحزاب المعارضة، في مخاطر عديدة، تشعبت وتضخمت، بسبب استعجاله الشديد للوصول إلى رئاسة الحزب ثم رئاسة الجمهورية إن أمكنه، خاصة بعد نجاحه في  الوصول إلى رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، درة مدن تركيا وأكثرها ثراء، وتثبيت موقعه فيها للمرة الثانية، مما ساهم بقوة في هذا الاندفاع، لأن ميزانية بلدية إسطنبول ضخمة، وتقدر بمليارات الدولارات، هي تعادل ميزانية دول، وكانت أكبر من ميزانية وزارة الدفاع التركية، وهو ما يتيح لمن يرأسها قدرات كبيرة في شراء الولاءات والذمم وربما الفساد إن جنحت نفسه إلى هذه الشهوة البغيضة.

بعيدا عن قضية الفساد الخطيرة التي يواجهها أكرم حاليا، والتي كانت سببا لقرار المدعي العام باعتقاله وإخضاعه للتحقيقات، ووصفه بـ”زعيم عصابة إجرامية”، حسب كلام المدعي العام، بعد تراكم الأدلة والشهادات والاعترافات التي قدمها مساعدوه ومستشاروه -بعض الموقوفين المقربين من أكرم قدم للتحقيقات اعترافات مذهلة-، هناك قضية أخرى لن تصيب أكرم وحده، بل قد تصيب حزب الشعب كله في مقتل، وهي قضية التلاعب بنتائج انتخابات رئاسة حزب الشعب الجمهوري الأخيرة، التي جرت في نوفمبر 2023، ويتم حاليا تحقيق قضائي فيها بعد شكاوى من كوادر بحزب الشعب نفسه، أغلبهم من أنصار رئيسه السابق كمال كليشدار أوغلو الذي تمت الإطاحة به بخطة الداهية أكرم إمام أوغلو ، لكي يأتي بعضو البرلمان الضعيف “أوزغور أوزيل” رئيسا للحزب، كجسر أو قنطرة لوصول أكرم بعد ذلك لرئاسة الحزب.

القضية بدأت بحديث رئيس الحزب السابق كمال كليشدار أوغلو في حوارات تليفزيونية -تعليقا على الانتخابات- وقوله أن “المال السياسي” تسبب في توجيه التصويت في الانتخابات، وكان سببا في خسارته للانتخابات، بعدها بدأت شكاوى تصل إلى القضاء التركي تشتكي من التلاعب بالانتخابات الحزبية بطرق غير مشروعة، فتم فتح تحقيق في هذه الاتهامات بالفعل منذ عدة أشهر، استنادا إلى مواد في قانون الأحزاب السياسية، تحظر التلاعب في عمليات التصويت الداخلية.

الواقعة الأساسية في القضية، هي قيام مساعدين لأكرم بتوزيع 1200 جهاز أيفون أحدث طراز على مندوبي المناطق والأفرع الذين يحق لهم التصويت لانتخاب الرئيس، لضمان تصويتهم لمرشحه أوزغور أوزيل، كذلك قيام أحد رجال الأعمال المقربين جدا من أكرم بتوزيع مبالغ مالية تراوحت بين 5000 دولار، و10000 دولار، على المندوبين، للغرض نفسه، واختلاف المبلغ كان سببا في شكاوى البعض، لماذا فلان يحصل على عشرة آلاف دولار وأنا أحصل على خمسة آلاف فقط، وكثرة الهمس تحول إلى تصريحات ثم تحول إلى فضيحة، ورجل الأعمال هذا المقرب من أكرم -بل الشريك له في بعض أعماله- كان يفعل ذلك مقابل منحه مشروعات كبيرة من التي تديرها بلدية إسطنبول بالأمر المباشر وبدون مناقصات، وقد تم اعتقال رجل الأعمال هذا الأسبوع في تهم عديدة منها واقعة فساد بيع ثلاث فيلات لأكرم، وتم ضبطه أثناء محاولته الهرب خارج البلاد، وتم التحفظ على 40 مليون ليرة تركية نقدا كانت في مكتبه.

أيضا، اشتملت القضية على شكاوى من قيام أكرم باستخدام بلدية إسطنبول لتوزيع مغانم على مؤيديه داخل الحزب وأنصاره، لشراء ذممهم، بتوظيف أقاربهم وزوجاتهم في البلدية، مقابل التصويت لمرشحه، وتوظيف مستشارين إعلاميين برواتب ضخمة رغم شبهات سابقة عليهم داخل الحزب نفسه، ورغم المديونية الكبيرة التي أصابت بلدية إسطنبول في عهده.

التحقيقات ما زالت جارية، قبل رفعها للمحكمة، وإذا قضت المحكمة ببطلان نتائج الانتخابات، فسوف يعود كمال كليشدار أوغلو رئيسا للحزب، لحين إجراء انتخابات جديدة، والمؤكد أن كليشدار -وقتها- سيثأر لنفسه ممن طعنوه في ظهره، وسيقوم بتصفيات عنيفة تطال أكرم إمام وتياره داخل الحزب، وهو ما قد يعرض الحزب لانقسام تاريخي.

جمال سلطان

باحث وكاتب صحفي مصري.. رئيس تحرير صحيفة المصريون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights