في ظل تصاعد التحديات الأمنية والاقتصادية المرتبطة بالهجرة غير النظامية وتهريب البضائع، اتخذت جنوب أفريقيا مؤخرًا خطوات غير مسبوقة لتعزيز الرقابة على حدودها البرية.
وتشمل هذه الإجراءات إدخال تقنيات مراقبة حديثة، من ضمنها الطائرات المسيّرة (الدرونز) والأختام الإلكترونية الذكية، بهدف الحد من الأنشطة غير المشروعة وضبط حركة العبور بشكل أكثر فاعلية.
مراقبة جوية بطائرات مسيّرة للمناطق الحدودية النائية
أعلنت وزارة الشؤون الداخلية بجنوب أفريقيا أنها شرعت في استخدام طائرات مسيّرة مزوّدة بكاميرات حرارية وتقنيات بث مباشر، لمراقبة المناطق الحدودية الوعرة والنائية التي يصعب الوصول إليها بالدوريات الأرضية.
وأوضح الوزير آرون موتسواليدي في تصريح نقله موقع News24 بتاريخ 5 أغسطس 2025، أن هذه التقنية ستساهم في “كشف التحركات المشبوهة، ووقف التهريب والتسلل قبل وقوعه، بفضل التغطية الفورية التي توفرها الطائرات بدون طيار”.
وتغطي المرحلة الأولى من المشروع الحدود مع زيمبابوي وموزمبيق، حيث يتم تسجيل أعلى معدلات التسلل غير الشرعي والتهريب، وفق ما جاء في تقرير لوكالة SABC News الحكومية.
أختام إلكترونية متطورة لمكافحة التزوير والفساد
ضمن خطة الرقابة الجديدة، أعلنت السلطات عن اعتماد أختام ذكية على جوازات السفر يتم مسحها إلكترونيًا، ما يُصعّب من عملية التزوير أو التلاعب بسجلات الدخول والخروج.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الداخلية في تصريح لصحيفة Daily Maverick إن هذه الأختام “مربوطة مباشرة بنظام إلكتروني مركزي يتيح تتبع كافة التحركات وتخزينها بأمان، ما يساعد في الكشف المبكر عن التجاوزات وتزوير الوثائق”.
وأوضحت أن النظام الجديد يأتي استجابة لشكاوى متكررة بشأن “الفساد في نقاط العبور”، حيث سُجّلت حالات دخول متعددة لأفراد باستخدام جوازات مزورة أو ختم غير قانوني، وفق تقرير رسمي صادر عن هيئة مراقبة الحدود لعام 2024.
خبراء أمنيون: خطوة نحو احتواء التهديدات العابرة للحدود
أثنى خبراء أمنيون على هذه الإجراءات، معتبرين أنها تمثل “تحولًا استراتيجيًا” في طريقة تعامل جنوب أفريقيا مع المخاطر الأمنية المتزايدة.
وفي حديثه مع قناة eNCA، قال الخبير الأمني ليسيبا موثيبي: “تقنيات الدرونز تمنح الدولة عيونًا في السماء، وتحد من الاعتماد الكلي على الموارد البشرية التي كثيرًا ما تُنهك بسبب نقص الدعم”.
وأضاف أن استخدام الأختام الذكية “يُعزز الشفافية ويُقلل من احتمال حدوث خروقات”، مشيرًا إلى أن تهريب المخدرات والأسلحة عبر الحدود ساهم في تصاعد العنف الداخلي في السنوات الأخيرة.
مخاوف حقوقية وتحذيرات من التضييق على اللاجئين
رغم الترحيب الأمني، أعربت منظمات حقوقية عن قلقها من أن تُستخدم هذه الإجراءات لتقييد دخول طالبي اللجوء واللاجئين الفارين من النزاعات.
وفي بيان لمنظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” نُشر على موقعها في 4 أغسطس 2025، جاء أن “الحلول التقنية يجب ألا تأتي على حساب الالتزامات القانونية والإنسانية للدولة تجاه من يطلب الحماية”.
كما دعت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في بيانها الأسبوعي إلى ضرورة أن “تُراعي الضوابط الحدودية الجديدة المعايير الدولية المتعلقة بحق اللجوء، وتضمن عدم الإعادة القسرية”.
خلفية: ضغوط داخلية وتوترات مجتمعية بشأن الهجرة
يأتي تشديد الرقابة الحدودية وسط تصاعد التوترات المحلية بسبب ما يعتبره البعض “تدفقًا غير منضبط” للمهاجرين، خاصة في المدن الكبرى مثل جوهانسبرغ وكيب تاون.
وبحسب استطلاع رأي أجراه Institute for Security Studies، أعرب 63% من المواطنين عن قلقهم من تأثير الهجرة على فرص العمل والخدمات الأساسية.
وتم توثيق العديد من الحوادث التي شهدت تصعيدًا في المشاعر المعادية للأجانب، أبرزها أعمال العنف ضد متاجر يملكها مهاجرون، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ خطوات أكثر حزمًا في تنظيم وضبط الحدود.
التوسعة والتقييم خلال الأشهر القادمة
أفادت وزارة الداخلية أن المرحلة التجريبية من المشروع ستستمر حتى نهاية العام 2025، على أن يتم تقييم أدائها وجدواها الفنية في يناير 2026، لتقرير مدى تعميمها على باقي المعابر البرية.
وبحسب تقرير نشرته Mail & Guardian، فإن الحكومة خصصت ميزانية أولية تقدر بـ 120 مليون راند (حوالي 6.5 مليون دولار) لتحديث البنية التحتية الأمنية المرتبطة بالحدود.
في النهاية يمثل إدخال تقنيات الرقابة الحديثة في جنوب أفريقيا جزءًا من توجه عالمي أوسع لمزج التكنولوجيا بالأمن الحدودي، غير أن نجاح هذه التجربة سيعتمد على مدى قدرتها على تحقيق التوازن بين الأمن والالتزامات الإنسانية، في وقت تشهد فيه البلاد تحديات متزايدة داخليًا وخارجيًا.