يعيش سكان قطاع غزة وضعًا غذائيًا غير مسبوق في خطورته، حيث أكدت شبكة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC) أن مؤشرات سوء التغذية الحاد والوفيات المرتبطة بالجوع تجاوزت بالفعل عتبات إعلان المجاعة في مناطق واسعة، خاصة في شمال.
ووسط القطاع. هذه النتائج وثّقتها أيضًا منظمة الصحة العالمية ومنظومة الأمم المتحدة للإغاثة في تنبيه مشترك صدر أواخر يوليو 2025، وأكد أن الوضع الحالي يقترب من أسوأ السيناريوهات، مع أدلة متزايدة على المجاعة والوفاة المرتبطة بها.
الخيار الحاسم: وقف إطلاق النار وفتح المعابر بالكامل
يرى خبراء العمل الإنساني أن أسرع وأقوى حل ممكن هو التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار شامل يضمن فتح جميع المعابر البرية أمام المساعدات دون قيود، مع ترتيبات أمنية تمنع استهداف قوافل الإغاثة أو تجمعات المستفيدين.
التحركات الدبلوماسية التي تقودها القاهرة والدوحة خلال أغسطس 2025 تضمنت مقترحًا لصفقة تشمل تبادل الأسرى ووقف العمليات العسكرية وفتح الطرق أمام تدفق المساعدات بكميات كافية.
المسارات البرية: العمود الفقري للحل
تشير تقارير برنامج الأغذية العالمي إلى أن زيادة الشاحنات عبر معبري كرم أبو سالم وإيرز، إلى جانب إنشاء ممرات آمنة داخل القطاع، تمثل السبيل الأكثر فاعلية وأقل تكلفة لتلبية احتياجات السكان.
هذه المسارات تتيح وصول الشحنات إلى المستودعات ومراكز التوزيع قبل أن تتعرض للفوضى أو أعمال النهب أو الاشتباكات، وهي المشكلات التي تسببت مرارًا في حرمان آلاف العائلات من المساعدات رغم وصولها إلى غزة.
الإسقاط الجوي: حل إسعافي محدود
عمليات الإسقاط الجوي، التي استخدمتها عدة دول خلال الأشهر الماضية، لعبت دورًا في إنقاذ أرواح في بعض المناطق المحاصرة، لكنها تبقى مكلفة للغاية وتفتقر إلى الدقة في إيصال المساعدات.
وغالبًا ما تتسبب بازدحام وفوضى خطيرة عند أماكن سقوط الشحنات. وكالات الإغاثة تؤكد أن هذا الخيار لا يمكن أن يحل محل القوافل البرية، بل يجب أن يبقى إجراءً مؤقتًا حتى تأمين المعابر.
الممر البحري القبرصي: دعم ثانوي مشروط
المحاولة السابقة لتشغيل الرصيف الأميركي العائم في 2024 أظهرت محدودية الأثر وصعوبة الاستمرار في ظل الأوضاع الأمنية.
وهو ما أكدته التقييمات الأممية لاحقًا. اليوم، تدرس قبرص بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي إعادة تفعيل ممر بحري جديد، لكن خبراء الإغاثة يحذرون من أنه سيظل خيارًا مكملًا للمسارات البرية، ولن يكون بديلًا قادرًا على تلبية احتياجات أكثر من مليوني إنسان.
تعزيز الإنتاج المحلي وحماية التوزيع
تعمل منظمات الإغاثة، ومنها برنامج الأغذية العالمي ووكالة الأونروا، على إعادة تشغيل المخابز وتوفير الطحين والوقود، لتقليل الاعتماد الكامل على الإمدادات القادمة من الخارج.
كما يجري تنفيذ خطط لتقسيم نقاط التوزيع إلى مواقع صغيرة متعددة لتجنب الازدحام الخطِر عند الطوابير، مع تطبيق جداول زمنية منظمة وإشراف مدني غير مسلح يضمن وصول المساعدات للفئات الأكثر حاجة.
آراء الخبراء والتوقعات القريبة
التقديرات الفنية لشبكة التصنيف المتكامل ومنظمة الصحة العالمية تشير إلى أن أي تأخير في فتح المعابر وزيادة الإمدادات سيؤدي إلى ارتفاع كبير في الوفيات خلال أسابيع قليلة، خصوصًا بين الأطفال وكبار السن.
السيناريو الإيجابي: التوصل إلى وقف إطلاق نار خلال الأسابيع القادمة، وفتح المعابر بالكامل، ما يسمح بزيادة الشحنات وعودة إنتاج الخبز وانخفاض وفيات الجوع.
السيناريو المتوسط: استمرار الوضع الحالي مع قوافل محدودة وإسقاطات جوية وممر بحري جزئي، مما قد يبطئ التدهور لكنه لن يمنع تفاقم المجاعة في الشمال.
السيناريو الأسوأ: تصعيد عسكري يؤدي إلى إغلاق المعابر أو ضرب سلاسل التوزيع، وهو ما قد يعيد المجاعة إلى مستويات كارثية في أيام معدودة.
وفي النهاية الأولوية القصوى لإنقاذ جوعى غزة هي زيادة الإمدادات البرية فورًا، وتأمين عمليات التوزيع داخل القطاع، وتشغيل المخابز بكامل طاقتها. أما الإسقاطات الجوية والممرات البحرية فهي أدوات مساندة، لا يمكنها وحدها وقف المجاعة. التحول الجذري لن يحدث إلا من خلال اتفاق سياسي وأمني شامل يفتح جميع المعابر بلا سقف زمني أو كمي، ويمنح الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية وصولًا كاملاً ودائمًا.
ردود الأفعال الدولية: ضغط متزايد ومطالب واضحة
شهد الأسبوع الثاني من أغسطس 2025 تصعيدًا في المواقف الدولية تجاه الوضع الإنساني في غزة، حيث أصدرت 27 دولة بيانًا مشتركًا طالبت فيه إسرائيل بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع بشكل كامل ودائم، تحت إشراف الأمم المتحدة. البيان ركّز على ضرورة فتح المعابر البرية بشكل مستمر، وحماية قوافل الإغاثة من الاستهداف أو العرقلة، معتبرًا أن “المجاعة الوشيكة تهدد حياة مئات الآلاف”.
موقف الأمم المتحدة والوكالات الإغاثية
الأمين العام للأمم المتحدة حذّر من أن استمرار القيود على المساعدات سيؤدي إلى “كارثة إنسانية لا يمكن احتواؤها”، ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار.
مشددًا على أن الحلول الجزئية لن توقف مسار المجاعة. برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية جدّدا دعوتهما لتطبيق “آلية إزالة التضارب” لضمان مرور القوافل بأمان، مع رفع وتيرة الشحنات إلى عدة أضعاف ما هي عليه الآن.
تحركات الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي أعرب عن دعمه لخطة قبرص لإعادة تفعيل الممر البحري، لكنه أكد أن الممرات البحرية والجوية يجب أن تبقى مكملة للمسارات البرية، وليس بديلًا عنها. كما أعلن تخصيص تمويل إضافي لدعم تشغيل المخابز ومراكز العلاج الغذائي للأطفال، ولشراء المواد الأساسية من الأسواق الإقليمية لضمان سرعة التوصيل.
المواقف الإقليمية
مصر وقطر وتركيا لعبت دورًا نشطًا في الوساطة بين الأطراف، مركّزة على إدراج ملف المساعدات في أي اتفاق لوقف إطلاق النار. الأردن أعلن استعداده لزيادة مرور الشحنات عبر معبر الكرامة إلى الضفة ثم إلى غزة في حال تم الاتفاق على ممر بري آمن عبر إسرائيل.
المواقف الأمريكية
الولايات المتحدة عبّرت عن “قلق بالغ” من تقارير المجاعة، وأكدت استمرارها في الضغط على إسرائيل لزيادة عدد الشاحنات المسموح بدخولها، كما أشارت إلى دراسة خيارات جديدة للإسقاط الجوي بالتنسيق مع حلفاء إقليميين، لكنها شددت على أن الممرات البرية تبقى الأكثر أهمية.
أصوات منظمات المجتمع المدني
منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش وأوكسفام اعتبرت أن منع وصول الغذاء والدواء إلى السكان يشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، ودعت إلى تحرك عاجل من مجلس الأمن لفرض آلية ملزمة لمرور المساعدات.