عجبًا لهؤلاء العتاة الفجرة الظلمة، أغبياء العقول وسفلة الأفهام..
ففي الوقت الذي نجد الأمة كلها عن بكرة أبيها تئن للمصاب الجلل، والهول الساحق، والكارثة المفجعة، وتترحم على شهيدات الفقر وضحايا لقمة العيش.
في الوقت الذي نرى كل بيت في مصر قد أصابه الفزع وعانقه الحزن والناس كلهم يبكون بدلا من الدموع دما مدرارا وحزنا قهارا.
في الوقت الذي نجد كل من سمع النبأ وهو يتحسس قلبه الذي انقبض وشعر فيه بوخزة موحشة خلفت فيه كآبة هائلة.
في هذا الوقت نرى بيننا أناسا لكنهم ليسوا منا ولا نحن منهم، أناسا صدئت قلوبهم أو أنها صارت كالحجارة، وإن كان من الحجارة ما يلين.
فتيات مكافحات لقين حتفهن وتسارعن إلى الموت في حادث على أليم الطريق، وهن ذاهبت مع إشراق يوم حزين يبحثن عن عمل يواجهن به الفقر المتصاعد ولقمة العيش التي عزت.
فبدلا من أن نرسل جميعا عليهن الرحمات، ونأسف ونأسى لحال أمتنا التي صار وضع المرأة فيها إلى هذا الهوان.
وبدلا من أن نضع جميعاً على قبورهن أكاليل البطولة والفداء.
وبدلا من أن يشعر كل مصري بأن الراحلة منهن كانت أخته أو بنته.
بدلا من هذا كله.. إذا بنا نسمع تلك الأصوات الفاجرة التي يقول بعضها: اللوم كل اللوم على أولياء أمورهن فأولى للمرأة أن تصان ولا تمتهن في عمل يفضي بها إلى الموت.
ونرى وضيعا آخر يقول:
كل بنت خرجت إنما كانت تبتغي الخروج على سلطة ابيها عليها وتستقل عنه.
بل لعلها خرجت لتجهز نفسها وتمضي مع عريسها بقائمة جهازها لتهدده بها في يوم من الايام.
او انها خرجت لتناطح ابيها وتشتري ما يرفض شراءه
او خرجت ل -تقشط-عريسا.
وأمثال هؤلاء شياطين مردة ماتت ضمائرهم وقلوبهم وإنسانيتهم، حينما يتجرؤون بمثل هذا العبث والضلال أمام محنة إنسانية تقصم الظهور، ولا تدع الإنسان منا يدور برأسه غير الحزن والهم العظيم.
لقد رأينا في حادثة الفتيات المسكينات عجائب البشر، فبقدر ما رأينا الأمل يموت والمستقبل يموت، رأينا كذلك الضمير يموت، ألا إن كل غليظ ماتت مشاعره بهذه الصورة فلا تحسبوه من جملة البشر، بل إنه صار وحشا قبيحا في صورة إنسان.
هؤلاء الذين يتجاسرون بالوقاحة مستهترين بفاجعة الموت الذي قصف حياة الشابات وهن في عمر الزهور، لكم تمنيت أن أراهم وهم يتفوهون بهذا الجحود حتى أبصق عليهم، فهؤلاء الناس وأمثالهم لا عقاب لهم إلا بصقة لسان تحمل كل معاني الاستقذار والتقبيح.
يقول توفيق الحكيم:
“ليس العقل ما يميز الإنسان عن الحيوان، ولكن الضمير”