حاتم سلامة يكتب: الرجل المظلوم

كتب الكاتبون هذه الأيام دفاعاتهم عن قاسم أمين وبيان أنه رجل مظلوم قد تجنى عليه الكثيرون واتهموه بما لم يكن فيه ومالم يقله.
والرجل حقيقة كان ضحية الجهل وعدم الفهم أن ينال من سمعته فظل إلى اليوم وفي عقول سواد الأمة، محورًا من محاور الشر وداعية من دعاة الفسق والتحلل والفجور.
وقد يدهش كثيرون حينما يعلمون أن قطاعات عريضة من التيار السلفي (لم أقل كله) هي التي ساهمت في هذا الذيوع وتلك الإشاعة مستغلة جهل الناس بالفكر والثقافة، فتسببت في لعن الرجل في كل مكان، وكل ثأرها منه أنه رفض النقاب وجعله عدو لحرية المرأة.
والنقاب كما نعلم عند السلفية فرض من الفروض وأن التخلي عنه في نظر المرأة السلفية هو تخل عن العقيدة والإيمان، وإذا حاول أحدهم كشف نقابها فكأنه قد خدش شرفها حفظها الله.
ونعود هنا لنقول: ان لنا وقفة مع من يدافعون عن قاسم أمين، فهم يظنون في حمأة دفاعهم أن الجهل قد غمر الرجل وأنه قد ظُلم وأن الخطأ شوه جميع العقول التي ظلمته، ولكنهم رغم هذا الكلام الطيب والمعقول لم يشرحوا لنا بعمق هذه الأسباب التي أدت إلى ظلمه، ولم يجيبوا بالتحديد على هجوم كثير من الأعلام عليه، بل والزعماء أنفسهم هاجموه وخالفوه، كمصطفى كامل وطلعت حرب والعلامة الأعظم محد فريد وجدي، فهل كان كل هؤلاء قد ظلموا قاسم أمين حينما هاجموه وردوا عليه؟
وهو السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقال ونحب إظهاراه للمدافعين عن قاس أمين بأنهم يجب أن يمعنوا في هذه الأسباب حتى يوضحوا الصورة للناس ولا يكفي منهم أن يقولوا للناس: أيتها الأمة الجاهلة أنتم ظلاميون رجعيون متخلفون حينما ظلمتم رجلا من أذكى وأعقل الرجال.
وهنا نقول ان سبب الهجوم على قاسم أمين ليس لأنه دعا إلى السفور والتعري والفجور والانحلال كما يشاع، ولكن سبب الهجوم هو أنهم كانوا يرون النقاب رمزا لحجاب المرأة، وعرفا اجتماعيا تصون به نفسها، وأنها إذا فرطت فيه فإنها سوف تنقاد بالتدريج للتفريط فيما بعده من درجات الحجاب إلى أنن تتعرى بالكلية.
نعم هذا هو الكلام الذي شرحه وأوضحه العلامة محمد فريد وجدي نفسه، فلم يناقش قاسم في فرضية النقاب، لأنه يعلم أن قاسم لم يخطئ في شيء وأن كلامه مطابق تمام التطابق للشرع الحنيف وأحكامه في لباس المرأة، ولكنه ذكر ما قلناه من خشيته للتفريط والتدرج في كل شيء.. فماذا قال وجدي؟
«أنا لا أنظر في ان الحجاب (يريد النقاب) شرا، ولكني أعتقد أنه مانع شر أكبر، وهو بهذا الاعتبار يعتبر خيرا، فالواجب علينا معشر الناس ألا نتابع أميال أنفسنا في كل شيء، فإن أكثر ما نطلبه لا نناله، وفي بعض ما نناله أشياء لم نكن نتوقع حدوثها، ولو تجلت لنا قبل تمنيها في مظاهرها لكنا بعدنا عنها بعد المشرقين» نعم هذه كانت نظرة المدافعين عن النقاب وقتها أننا لو تنازلنا عنه فربما يقودنا لنتنازل عن غيره.. فهل فقهنا أو وعينا.
ثم إن مما أثار اللغط الكبير هو ذلك التعبير بأن قاسم يدعو لترك الحجاب، وكان الناس وقتها يسمون النقاب بالحجاب، فإذا لم يكن النقاب فلا يقال على المرأة بأنها محتجبة، هكذا كان الناس ينظرون ويعتقدون، بطابع مجتمعي بعيدا عن الشرع وقوله في هذا، وإقرار جماهير الفقهاء والمحدثين أن الواجب في الحجاب هو ستر كل المرأة عدا وجهها وكفيها.
فحينما يسمع هذه الأيام بأن قاسم أمين حارب الحجاب، يتخيل البعض أنه حارب الحجاب المعروف بدون النقاب، لكن الرجل كان يدعو فقط لترك النقاب ولم يدع أبدا لترك الحجاب.
ناهيك عن نقطة مهمة وهي أن قاسم لم يتناول في كتابة قضية الحجاب وحدها كما يظن البعض وإنما كان نقاشه فيما يقلقه ويضنيه من وضع المرأة المصرية المسلمة التي وجدها متقوقعة على عكس المرأة الأوروبية، فقد رأى المرأة المصرية منعزلة في قعر بيتها، لا ترى ولا تتحدث إلا مع محرم، وتظل قعيدة بيتها فإذا فارقته إلى موطن ما ففي ظل هذا الغطاء الأسود المنسدل على الوجه وكأنها خيمة تتحرك وقد جعل النقاب المرأة في حكم القاصر لا تستطيع أن تباشر عملا ما بنفسها، مع أن الشارع يشيد بكفاءتها كالرجال في التدبير والتربية، ولكن حريتها تكون مكبلة مع هذا الستر التام.. لقد كانت الدعوة إذن أن تتحرر المرأة لتخرج من عزلتها ويكون لها دورها المحوري في الحياة والمجتمع ونهضة الأمة، لكن للأسف سار قطاعات منا فغالطوا على دعوى الرجل وقصروها على محاربة الحجاب الذي هو النقاب، وشاعوا عنه ظلما وزيفا أنه داعية الفسق والفجور والتحلل والانحلال.. وما كان كذلك أبدا بل على العكس كان الرجل منصفا للدين ومقيما لحق الحجاب فيه، ولم يعترض أبدا على الشرع وأحكامه في شيء.
السلفيون وحدهم أو بعضهم هم من ألقي باللوم عليهم حينما جعلوا معركتهم مع قاسم أمين لأنه كما قلنا أسقت النقاب، والنقاب بالنسبة لهم دين وملة وعقيدة، وعنهم تلقت جموع الأمة هذه الشبهة في ظلم الرجل.