مقالات

حاتم سلامة يكتب: الصداقة يمكن أن تموت

أحيانا يخيل إلى انني صرت كبيرا ولدي من خبرات الدنيا ما يؤهلني لفهم غرائب الحياة وطبائع الناس ومستجدات الدنيا.

ولكن يبدو ان الأيام تصر أن تصفعني وتردني خائبا لتقول بلسان حالها: مازلت صغيرا لم تتعلم بعد.

منذ أن انهيت كليتي عام 2001 وأنا في قمة أساي لفراقي بعض أصدقائي الذين كنت أحبهم ويحبونني، وبيننا لهو وذكريات، ونكات وضحكات، وطعام ومشروبات، وصحبة طويلة وسمر لا ينسى.

فارقتهم وفارقوني بمجرد الانتهاء من السنة الرابعة من الجامعة.

ذهب كل في طريقة ولم تعد بيننا صلة أو معرفة، ولم يكن وقتها قد انتشرت أو وجدت وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت، حتى الايميلات لم يكن لنا بها علم أو حرص حتى تيسر أمور التواصل.

المهم أنني ومنذ ذلك الوقت وذاك الحين وأنا أبحث عن هؤلاء الأصدقاء بحيرة وشغف وسؤال هنا وبحث هناك، وكنت كلما لقيت أحدا قريبا من بلدانهم أسأله على أحدهم طمعا أن يدلني عليه.. ومع ظهور التقنية الحديثة كنت أدخل أسماءهم في خانة البحث لعلي أجد شيئا يدلني عليهم، فأعيد ما كان بيننا من محبة ووداد.

أكثر من 20 عاما وأنا أبحث فماذا حدث؟

أما أحدهم فاهتديت إليه بالصدفة حينما أخبرني بعض أصدقائنا أن له أخ يعمل في جهة ما، فتوصلت إليه وأخذت رقم أخاه، وحدثته عبر الماسينجر، وكنت في قمة فرحي وسروري حينما وجدته، ويا ليتني لم أبحث عن شيء ولم أجهد نفسي توقا إليه، ليتني قتلت هذا الشوق الذي تغذى طوال هذه الأيام على الوهم..

فقد وجدته فاترا باردا يرد عليّ بقوله: أهلا أهلا أستاذ حاتم حياك الله أخبارك وأخبار كل أصدقائنا..

وقد يظن القارئ أنه رد ردا جميلا مناسبا لم يفقد حفاوته، ولكن الحال ونبرة الصوت كانت تتفجر بالبرود الذي لا روح فيه، يدل على هذا أنه بعد نهاية المكالمة لم يفكر في الاتصال ولو مرة وقد مرت على مكالمتي له عدة شهور.

لم أكن أتوقع أن يناديني بالأستاذ وهو ما تعجبت له، لكنني علمت أنه نال الدكتوراه وسافر إلى دول الخليج، فأدركت أن الرجل ليس على استعداد أن يسقط الحاجز العلمي حتى مع صديق له كانت بينه وبينه عشرة طويلة وود قديم.

هل تتخيل أو تصدقني لو قلت لك: إنني قلت ساعتها لنفسي: كم أنت أبلهًا!

ولكني عاودت أحدث نفسي وأقول لها: لعل هذا الصديق حالة فريدة، فلنبحث عن صديق آخر ويا ليتني ما بحثت وما وجدت.

فقد كان في نبأ هذا الصديق الثاني من العجب العجاب مالم أتخيله.

فقد كان من قرية قريبة من قريتنا وكنا في أغلب الأيام نغدو ونروح سويا، نتحدث كثيرا ونضحك أكثر، حتى أنني زرته يوما في بيته، وبعد التخرج انقطت الصلة وافتقدته وسافرت انا إلى المملكة العربية السعودية أكثر من عقد من الزمان، ومن يومها وأنا دائم البحث عنه، أسأل عنه من ألقاهم من أفراد قريته فلا يعرفونه، فأصف لهم بيته فلا يهتدون إليه، حتى وجدت قريبا لنا من هذه القرية، وأخذت أصفه له، فعرفه وقال لي: إنك لو ظللت طوال عمرك تبحث عنه بهذا الاسم فلن تجده ابدا، لأن له اسما للشهرة غير الاسم الحكومي الذي تعرفه به.

المهم أخبره وأعطاني رقم هاتفه، واتصلت به وحدثه، وكنت سعيدا جدا بالحصول عليه، فإذا به يرد علي ويقول لي: سامحني أنا مش فاكرك..

هنا أسقط في يدي وكدت أصعق، وشعرت كمن أخذ لطمة على قفاه.. أخذت أذكره بكل شيء وكل موقف وكل أصدقائنا، فتذكرهم جميعا إلا أنا، كانت حالة غريبة.. إلا انني تعلمت بعدها ألا أسأل على صديق قديم أبدا، وأن الصداقة القديمة إذا انقطعت فقد ماتت وانتهت، ولا تحاول إحياءها مرة أخرى.

وهنا لا أنكر أن بعض الأصدقاء القدامى ممن غابوا عني كثيرا ووجدتهم قد لقيت منهم ترحابا كبيرا وودا عظيما، وكأننا قد تفرقنا بالأمس، وهؤلاء لهم محبتي وأشهد أن نفوسهم سوية وأخلاقهم عفية لم تتبدل أو تتغير.

أما أولئك الذين تغيروا وتبدلوا، فكم أنا نادم على كل لحظة صرفتها في التفكير فيهم، أو شغلتها في البحث عنهم.

وما زلنا نتعلم.

وهنا أعود إلى عنوان المقال، فأقول: إن الصداقة فعلا يمكن أن تموت، لكنها عند الأصيل لا تموت.. أما الخسيس فما أهونها عليه.

حاتم سلامة

كاتب وصحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى