السبت أكتوبر 5, 2024
أقلام حرة

حاتم سلامة يكتب: جحود التلاميذ

إن تعجب فليكن عجبك كبيرا من هؤلاء التلاميذ الذين يلازمون شيخهم وينعمون بقربه، ويظلهم بحنانه ومعيته، ثم يرحل عن الحياة ويخلفهم وراءه، فلا يكلف أحدهم خاطره أن يوثق مسيرة أستاذه ويؤلف عنه كتابا يخلد ذكراه، بل يكتفي من الوفاء له إذا ذكر أمامه أن يترحم عليه، وإذا زاد معيار الوفاء فيه، فليذكر له موقفا أو موقفين.

وهنا ألقي باللائمة الشديدة على هؤلاء التلاميذ الذي يقصرون في حق أساتذتهم، حينما يرون الزمن ينسدل على ذكراه وآثاره بسديم النسيان، فما عاد يذكره أحد أو يلتفت إلى اسمه في شيء.

كان الأولى بهؤلاء أن ينفدفعوا بالوفاء في مساره الصحيح، ويجددوا ذكر أساتذتهم، ويعرفوا الدنيا بعلمهم، وما تعلموه على أيديهم.

لماذا لا يؤلف أحدهم كتابا عن أستاذه، فيذكر من حاله ما جهله الناس ووجب أن يعرفوه؟!

وهو القصور الذي يتفلت من عاره كثير من الشيوعيين والعلمانيين والملحدين، وهم يسجلون رحلة رموزهم، ويؤلفون عن شخصياتهم الكتب والأسفار التي تحكي مآثرهم ونوادرهم، وتعرض على الدنيا كلها مسيرة جهودهم، ومواقفهم الإنسانية.

انظر للعقاد لقد ألف فيه المؤلفون أسفارا عدة عن حياته وعلمه، وضرب كل منهم في ميدان من ميادينه المتعددة، وكان أنيس منصور من أبر الناس بأستاذه حينما ألف كتابه “في صالون العقاد كانت لنا أيام”.

وإذا نظرت إلى رجل كالعلامة المحقق الكبير محمود شاكر، لترى كثيرا من المتعصبين له اليوم، وهم يعلونه أرفع مواقع الإمامة في العربية والدين، لتبحث فيهم عن واحد فقط ألف عنه كتابا فلا تجد، وأنا واحد من الناس حاولت جاهدا أن أرى كتابا يتناول سيرة محمود شاكر لأتعرف عليه أكثر وأكثر فلم أجد، اللهم إلا كتاب ضعيف المستوى للأستاذة عايدة الشريف، ورغم ضعفه إلا أنه محمود لها ما فعلت، إذ تحركت عاطفتها ووفائها لأستاذها بما لم يتحرك به كثير من أتباعه ورواد صالونه.

نفس هذا اللوم هو ما توجه به العلامة البيومي رحمه الله وأنا أقرأ له في الجزء الرابع من موسوعة أعلام النهضة، حينما كان يتحدث عن الشاعر والمبدع الكبير الأستاذ حسن القاياتي، فوجه اللوم الشديد لمريدي الرجل وتلاميذه، كيف لهم أن يسكتوا فلا يكتبون عنه ويعرفون به، وفيهم من صار له في دولة القلم صيت ونباهة، كيف سكتوا جميعا عن الرجل، وقد كان في مدى نصف قرن من حياته الأدبية شاعرا مرموقا، وكاتبا لامعا، تجري الجرائد اليومية صباحية ومسائية بنفثات قلمه، أفيكون مصيره ونصيبه من الوداع هذا الجحود اللئيم.

بل ذكر البيومي ما يؤلم وهو يقول: كيف يكون شعوره النفسي في عالم الغيب حين يرى تلاميذه وقد ضنوا عليه بكلمات الوداع وإنها لأهون شيء يقال.!

وأنا لا أعلم كيف تكون نفس الدكتور البيومي نفسه، وكيف يكون شعوره النفسي وهو في عالم الغيب، ولم يسارع تلامذته للحديث عنه وتأليف الكتب في إبداعه وكفاحه العلمي، وتعريف الأمة بجهوده، أكثر من 12 عاما مروا على رحيل الرجل، ولم يخرج من تلامذته من ألف عنه كتابا يحفر في الدنيا ذكره، ويدوي باسمه في سمع الملايين؟ وكأن البيومي وهو ينعي على القياتي ما حدث له، ينعي في نفسه ذلك التشابه.

رحم الله الدكتور محمد عمارة والدكتور عبد الحليم عويس، فقد صمم كل منهم أن يخط كتابا عن الشيخ الغزالي، فسارع عويس ووضع كتابه (الشيخ الغزالي, تاريخه وجهوده وآراؤه) وتبعه الدكتور محمد عمارة بكتاب (الشيخ محمد الغزالي: الموقع الفكري والمعارك الفكرية) شعورًا منهما بالمسؤولية الملقاة عليهما تجاه شيخهما الذي خدم الدعوة وكان من حصونها المانعة.

واقتفى أثرهم الشيخ القرضاوي في كتابه القيم (الشيخ الغزالي كما عرفته.. رحلة نصف قرن) بل نفس الشيء فعله عمارة مع القرضاوي، وقابله القرضاوي بكتاب مماثل عنه.

وإلى من يلازمون العلماء والأدباء اليوم، اغتنموا فرصة القرب من أعلامكم، وسجلوا مآثرهم ومواقفهم، فعسى تنفعكم يوما حينما تمتطون صهوة الوفاء، فتخطوا كتابا في مسيرتهم.

Please follow and like us:
حاتم سلامة
كاتب وصحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب