حاتم سلامة يكتب: خرافة المرأة المثقفة
بعض المثقفين حينما يفكر في نصفه الآخر.. كيف يكون وعلى أي وصف يريد؟ يكون أوفى الشروط وأولها وأهمها ثقافتها.. فتكون أديبة أو فيلسوفة أو كاتبة.
وهذا لاشك شيء مهم وجميل لدى بعضهم، لكنني أتوقف حينما أعلم أن الكثيرين من هذه الطبقة لا يقدمون على الزواج والارتباط إذا لم يتوافر هذا الشرط..
إما أن تكون مثقفة أو لا زواج ولا ارتباط.!
وهنا أتذكر صديقي الذي ذهب إلى رؤية فتاة يخطبها في يوم من الأيام، وكنت أنا من المهتمين بالفكر، أما هو فلا.. لكنه لا ينكر قيمة الثقافة، وحينما بدت الفتاة وحسب ما وصفت له وظهر له من حالها أنها مثقفة، حاول التطرق إلى براعتها في إدارة الحياة ووظائف المرأة المنزلية، وإعداد الطعام وقيادة المطبخ وترتيب البيت، ويبدو أنها كانت صفرًا في هذا المجال، فرفض الارتباط بها، ولما لمته في ذلك بحجة أنها مثقفة ونادرا ما نجد مثقفة، قال لي بكل صراحة ووعي: هوه أنا حا تجوز فكر؟!
حا عمل إيه بالفكر.
هنا رجعت إلى الوراء وتذكرت أدبائنا القدامى، فقد كان كل واحد فيهم لهم زوجة تشرف على حياته الخاصة وتشاركه أيامه في الدنيا وهي كما نقول: ست بيت لا شأن لها بالثقافة والمعرفة.. وكان كل واحد فيهم على عظمته وظهوره وتميزه، لا يكلفها مالا تطيق ولا يطلب منها إلا أن تكون سيدة بيت، فلم يتمرد عليها ليقول كما يقال هذه الأيام: أنتِ جاهلة كنت أريد مثقفة، تفهمني وتشاركني أفكاري وآرائي.
لم أسمع أن أحدهم اشتكى يوما من هذا الداء، فصخب على امرأته وعيرها بعقلها وجهلها، بل على العكس، كنت أرى كثيرا منهم يزكيها ويشكرها، ويقول أنها هي السبب فيما وصل إليه، ووقوفها معه هو سر تميزه. ورحم الله محمود شاكر وهو يتحدث عن زوجته أم فهر فقال: «أكرمتني وحفظتني وأكبر من ذلك تحملتني» لم يقل حاورتني وفكرت معي، أو كتبت عني، أو ألفت بدلا مني، أبدا لم يقل شيئا من هذا وكأنها أمور لا تعنيه ولا ينتظر لها دور فيها.. وكله قناعة ورضا بهذا، وهذا بالطبع لا يعني أن المرأة المثقفة غير مرغوب فيها.!
أنا أدرك أن المرأة المفكرة والمثقفة شيء هائل ورائع وجميل دورها في حياة المفكر، إذا كان لها عقلها المستنير الذي يشارك الزوج المثقف همومه وتأملاته، وتكون في أروع صورها وملكاتها يوم أن تجمع بين ست البيت والسيدة المثقفة، وهذا الجمع لو توفر لدى امرأة، فإنه يكون عطية كبرى من الله على زوجها، قبل أن يكون عطية إلهية لها.
لا أعرف لماذا نخير الرجل بين أن يقبل بالمثقفة الفاشلة في بيتها، وبين ست البيت الفاشلة في عقلها.. لماذا لا نحاول أن نجمع بين الأمرين معا، ويبقى السؤال هي يستحيل على المرأة أن تكون مثقفة، لو فرضت عليها الظروف أن تكون كذلك، وكان زوجها يحتاج منها ذلك، هل يمكن لها أن تقدم على تثقيف نفسها وتزيين عقلها كما تقبل على تزيين وجهها وجسدها من أجل زوجها؟!
في قصاصة من جريدة قديمة رأيتها قد حملت صورة للأستاذ توفيق الحكيم ومعها هذا المقولة التي ذكرها وقال فيها: «إن المرأة التي تصنع لي صينية بطاطس في الفرن أجدى عندي من المرأة التي تقدم لي جميع دبلومات الفلسلفة» وكأنه يوجه بهذه الكلمات صفعة للمثقفين من الرجال الذين يتحججون باختيار المثقفة، ويريد أن يقول لهم الثقافة مع ذاتك، بينك وبين نفسك أو قرائك، بينك وبين كتبك وقلمك، أما بيتك فله اتجاه آخر وصور مختلفة، فهل يا ترى يمكن لقوله أن يقنع المفتونين بأمنية المرأة المثقفة؟!