حاتم سلامة يكتب: شيطان الأدب الأكبر
أدرك أن كثيرًا من أفاعي الثقافة وثعابين العلمانية واليسار يعبثون بنا وهم يراهنون اليوم على الجهل وقلة الوعي وهجر القراءة الجادة والمعرفة الرصينة التي أصابت هذا الجيل، وهي الفرصة الذهبية التي لا ينبغي لهم أن يفوتوها حين رأوا هذا الجيل الحالي قد وقع بسببها فريسة بين أنيابهم الأثيمة ليشكلوا ثقافته ويزيفوا مفاهيمه ويدمروا ثوابته.
مجلة الهلال في عددها الأخير تطرح نفسها كتابًا مع الباعة في الأسواق يضم عددًا خاصا عن تأسيسها وتاريخ مؤسسها جرجي زيدان بمناسبة مرور (132) عامًا على صدور أول أعدادها، ويُقبل القراء على العدد ويقتنونه وكنت واحدا من هؤلاء.
تصفحت العدد فإذا هي جموع لمقالات اليساريين وبقايا الشيوعيين والعلمانيين الذين لا يعرفون معنى الولاء للأمة وتراثها ودينها وهويتها، فإذا بهم يعظمون رجلا مسيحيا صنعته أيادي المستشرقين، وكانت له بعض حسنات، ولكن شروره العظيمة وآثامه الوبيئة كانت أكثر بكثير من أن نضعها مقارنة مع ما ذُكر عنه من حسنات.
فهذا الرجل الماكر ما نطق بهذه الحسنات إلا ليخدَّر الأمة ويوهم زمنه بحسن نيته حتى يمرر مشروعه الصليبي الكبير في هدم تراثنا ورموزنا وعظماء أمتنا .
تصفح روايات جرجي زيدان لتجده لم يترك زعيما إسلاميا أو رمزا تاريخيا إلا وشوه حقيقته ودس السموم حول سيرته، وأراد أن يرسم له في أذهان القراء بصورة مواربة خادعة ماكرة أبشع المعاني وأحقر الصفات والتصورات.
ثم نأتي اليوم ونمسك بأيدينا هذا العدد الكذوب الذي يطرح جهلا وكذبا وإفكا وزيفا في تمجيد رجل لم يكن خيرا في يوم من الأيام على تاريخنا المجيد.
إن كل من اشترى هذا العدد الزائف ويقرأ ما فيه، يدرك بعمق أن هذا الرجل كان عظيما لا محالة، وأنه كان من رواد الثقافة وبناة النهضة والتنوير في مصر، أو هكذا أراد الكاتبون، ولكنه في الحقيقة كان الشيطان الأكبر والخبيث الأعظم الذي ما زالت رواياته التاريخية إلى اليوم تخدع القراء والمثقفين.. ما يقرب من أربعين كتابا لم نجد واحدا منهم يعلن الحق، ويرضي الضمير ويجهر بخفي الدور الخبيث الذي لعبه هذا الرجل وجناه على تاريخنا المجيد الذي كان غصة في حلق المستعمرين، وكابوسا يؤرق الغازين، ومبعثا من مباعث إشعال المقاومة، فلم يجد هؤلاء إلا أن يوعزوا لزبانيتهم وعملائهم أن يشوهوا هذا التاريخ ويزيفوه بالأكاذيب والمكر والبهتان.
فعل الرجل هذا في الوقت الذي يخرج من بيننا ومن بني جلدتنا وممن تظلم سماء أمتنا فيهبوا عنه مدافعين مادحين مطرين.
فيقول قائلهم: إنه يستخدم الرمزية الأدبية، ولكننا نسائل هؤلاء الحمقى: أليس ما فعله هذا البائس قد شوه تاريخ رموزنا؟ وكون صورة قبيحة لعظماء أمتنا في مخايل القراء وانطباعاتهم؟
إن حدث ذلك فإن الدفاع عن هذا الرجل المزور باسم الرمزية الأدبية نوع من الخيانة للتاريخ والحقيقة والأمة.
كل من كتب في هذا العدد من ثلاثة أصناف
إما أن يكون عدوًا للهوية الإسلامية ويناصر رجالاتها والمناهضين لها فهو يساري أو علماني.!
وإما أن يكون مثقفا لم تشغله طول حياته قضية الهوية الإسلامية وصراعاتها ومعاني الانتماء لها في شيء.
وإما كاتب يعيش في غيبوبة عن أعداء أمته وتاريخه ويكذب نظرية المؤامرة التي تتكشف حقائقها للنابهين.