الأحد مايو 19, 2024
أقلام حرة

حاتم سلامة يكتب: شيوخ يقعون في الحب!

أعرف أناسًا عبروا الخمسين من عمرهم ومنهم من دق أبواب الستين أو فارقها بقليل وهم يتيهون في وادي العشق والغرام، بل أسمع ذلك الذي يروي لي أخبارهم وهو ساخر منهم منتقص أحوالهم، حينما روى لي الراوي أنباء ما تعلقت به قلوبهم من قصص الحب والهيام!

والذي يتكلم ويلوم، لا يرى من هذا الحال إلا نقصًا وصغارًا أفرزته نفس شيخ يفترض له أن تيأس فيه دواعي الود والرغبة، التي يعتقدها من طبائع الشبان والمراهقين.

فمادام قد شاخ، فقد شاخ قلبه وضمرت نفسه، وماتت الآمال في قلبه، وإذا برز له هذا الرجل وأمثاله من قريب أو بعيد، فإن حماسته لا تتركه حتى يشير إليه قائلا ناعتا: أرأيتم هذا الشيخ الناقص؟

والحق أنني ما علمت أن القلب يمكن له أن يشيخ، إذ يظل هذا القلب في النفس لا علاقة له بتأثرات الجسد الخارجية، فمهما تعرض الجسد لعوامل التعرية، فإن القلب في عالم آخر، يظل هو القلب بأشواقه ورغباته وطموحاته.

إن لنا في الشرق ثقافة ترفض هذه المشاعر وتكفر بها، خاصة إذا خاض لجتها الشيوخ لتكون معيبة المعايب.

ولعل هذا المشهد بين رجل عشق وآخر لامه وانتقص منه، هو ما حدث بين العقاد وشاعر الألمان جيتي، فقد كان جيتي في 74 من عمره وأغرم بفتاة في 19من عمرها وسارع إلى خطبتها، ورفضت الفتاة وأعرضت عنه، فلم تتصور أن يكون فتى أحلامها هذا الكهل العجوز، ولكن جيتي لم يستسلم إذ يلح عليها أن تقبله، وتغرق هي في الرفض، فيستشفع فيها بالأمير، وتصر الفتاة على موقفها، وتنضم إليها أمها، ويجري مجرد اقتراح عله يحل المأساة، وهي أن تمنحه الفتاة قبلة أو قبلتين تسليه ومواساة له، ليرجع إلى بيته طاويا على نفس تجرعت مرارة الخيبة والخسران، وقلب ينفطر من الألم والحزن.

وهنا يفزع أديب العرب وعملاقهم عباس العقاد، الذي لم يعجبه هذا الضعف، ولعله بما شاع في طبيعة مجتمعه، أراد أن يصم الشاعر الألماني بالنقيصة والمعايب، فعنفه ولامه وذكره بأنه نسي بأن هذه الفتاة تمثل الربيع، بينما هو يمثل الخريف في جفافه ويبسه.

ولم يكن العقاد العظيم وهو في غمرة الاستنكار يدري أنه سيقع فيما وقع فيه ملومه، فقد مرت الأيام ليجد العقاد نفسه، يعشق وهو في الخمسين فتاة صغيرة عنه، وعاودته النوبة وهو في الستين ليعشق ذات العشق، ويلتهب قلبه بذات اللوعة التي أصابت جيتي، ليجد المروءة تفرض على نفسه أن يقدم اعتذارا للشاعر الألماني، فكتب قصيدته انتقام جيتي قال فيها:

یا صديقي القديم اعتذارا** لك من سوء ظنتي وملامي

كنت أنهى عليك حبك في** الستين بنت العشرين فاغفر ملامی

و أراني على ملامك من قبل** لحب دون الثمانين دام

فانتظرني فقد يجى اعتذاری** لك طوعا في مقبل الأيـام

إن عشقنا كما عشقت وأوفينا** عليها انتقمت خير انتقـام.

فهل تراك اليوم لو رأيت شيخا يحب، أكنت تنتقصه وتذمه وتعيبه.. ولكن ماذا لو وقعت فيما وقع فيه من بلاء العشق، فهل تكون لديك شجاعة أن تعتذر له كما اعتذر العقاد الشجاع.؟!

Please follow and like us:
حاتم سلامة
كاتب وصحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب