حاتم سلامة يكتب: فضائح ثقافية
يبدو أننا نحمل أنفسنا من الأمر أكبر من طاقته وأكثر مما يستحق ويحتمل، ويخيل إلينا أننا أمام شيء، بينما نحن أمام لا شيء.
نجهد أنفسنا علميا لكي نتصدى لشبهات من نظن أنهم فعلا يمكن أن يكونوا من أهل الشبهات، بينما هم من أهل المساخر والتهكمات.
شاهدنا مؤخرًا فضائح ثقافية لمن يتصدرون المشهد منهم، وهي هنات تدل على ضحالة الفكر وضآلة الفهم ومستنقع الجهل الذي ترتع فيه عقولهم.
فأحدهم يخبرنا أن متبول تعني التوابل
ويكررها مرتين في مناسبتين مختلفتين، والاخر يقول لك: إن كتاب التحرير والتنوير كتاب حديث وهو كتاب من كتب التفسير، وأن مالك قال في مقدمة الموطأ كذا بينما لا توجد مقدمة للموطأ، ثم يقول الأبله: إن المعراج لم يحدث لحديث السيدة عائشة أن النبي لم يغادر سريري، ونسي جهلا أن النبي لم يدخل بعائشة إلا بعد الهجرة والاسراء كان بمكة.. وغير ذلك من الفضائح الثقافية المدوية التي لو كانوا يحترمون أنفسهم فعلا، لما خرجوا على الناس بأي حديث، ولتواروا خجلا من أخطائهم الفادحة، لكن القوم لا كرامة لهم، ولا مروءة لديهم، حتى نطالبهم باحترام النفس.
ويبقى الخطاب لمن يتبعونهم ويرون لهم قيمة، كيف نقنعهم بفضائح رموزهم، ومن يعتقدون فيهم الذرا والمعالي؟
وهكذا أنقذهم الجهل أمام أتباعهم، فلو كان لهؤلاء الأتباع علم وبصر، لأدركوا ضحالة من أصغوا إليهم بآذانهم وعقولهم.
العلمانيون القدامى كانوا على علم ودراسة وثقافة، وإن اختلفنا معهم في الفهم، إلا أنهم لا يمكن أبدا أن يقدموا مثل هذا الأخطاء الفاحشة.
كيف لمثل هذا المستوى السحيق أن يتكلم في أمور العلم والدين، وهو لا يعرف أبجديات اللغة أو يشم رائحة العلوم وأصولها، كيف لأمثالهم أن يتجاسروا بهذا الشكل المريع على حرمات العلم والدين وهم فقراء في المعرفة إلى هذا الحد المذهل؟
لعلنا نتذكر سقطة الفطائر
سعيد العشماوي واحد من هؤلاء الذي أزعجوا الدنيا نباحا وافتراء، وكان من مدهشات أراجيفه يوم أن ادعى أن القرآن فيه أخطاء لغوية، وهي قفزة جريئة وغير حكيمة، إذ يمكن لأي مشكك في القرآن في أي من أغراضه، أن يلبس على العامة ويستغل جهلهم به، لكن عند اللغة يقف ويتراجع، لأن القرآن هو كتاب الإعجاز اللغوي الذي يعد مرجع العرب ولغتهم وبيانهم!
وفي كتابه (سقوط الغلو العلماني) تعجب الراحل الدكتور محمد عمارة من أمر العشماوي ساخرا، وذكر ادعاءه لاكتشاف أخطاء لغوية في القرآن لم يكتشفها علماء الاسلام والعربية القدماء والمحدثون، مع أنه لو قرأ كتابًا في نحو العربية ولا نقول في تفسير القرآن، مما يدرس في المعاهد الاعدادية الازهرية، لعلم وجه إعراب هذه الألفاظ التي يستنكرها ويدعي خطأها اللغوي.!
لكن السقطة الكبيرة التي سجلها عمارة على العشماوي، وقدر لها أن تكون مكتوبة ومسجلة بالسطور غير مرئية، على غرار مشاهد غيره من الدعاة، كانت سقطة مضحكة إلى حد السخرية، حيث يقول راحلنا الكريم في بعض كتبه:” إن العشماوي يجمع (الفطرة) على (فطائر)، وهو جمع الفطيرة، والفطرة تجمع علة فِطَر، وذلك عندما يزعم أن “فقه عمر بن الخطاب قد كان يخالف طبائع الأمور وفطائر الناس”
وتساءل عمارة: هل لمن هذا مستواه حق- أي حق- في الحديث عن القرآن؟!
ونهاية أريد القول بأن الخطأ وارد في حق كل أحد، بل من العلماء والمفكرين الكبار من يخطئ، ولكن هناك خطأ مقبول يعذر فيه صاحبه، وهناك خطأ غائر لا يغتفر، ويدل دلالة بينه على سطحية من وقع منه، وليس من حقك أن تناطح ثوابت الإسلام وتجابه التراث، وانت تخطئ في أبجدياته ومسلماته.