حاتم سلامة يكتب: كلام أبي غدة عن الألباني.. إشاعة سخيفة
العداء الصارخ بين جماعات التيار الديني وتوجهاته المختلفة، شيء جاوز العدل والإنصاف في كثير من حالاته، ومما ألحظ من معايبه العظيمة أن الصوفي إذا اختلف مع السلفي، والسلفي إذا اختلف مع الصوفي، فإن الاختلاف يخرج من حيز المختلفين ودائرتهم ليطال أعلام الطرفين بالتحقير والتوهين والازدراء.
فإذا أراد الصوفي أن يغلب السلفي، طعن في ابن تيمية وابن عبد الوهاب وكل من كان ذو وجهة سلفية من العلماء.
وكذلك السلفي إذا أراد تحطيم خصمه الصوفي، فإنه يفتح النيران عليه وعلى أعلام الطريق مسفها محقرًا مهينًا كائدًا.
والحق أن هذا الصراع المؤرق لا يفيد العلم أو الإسلام في شيء، وإنما يضر به أعظم الضرر، فليس من الرشد أن أقف أمام عالم له في خدمة الإسلام حظ وافر وبلاء محمود، ثم أنهال عليه بهذا التجريح الفج، وإنها لسفاهة تنم عن قلة إدراك وضيق أفق وبلاهة تفكير.
قد أختلف مع الصوفي لكن هذا أبدًا لا يمنع أن أوفي علماء طريقه حقهم وقد كانوا لهم صوت يمثل الإسلام ويدعو إليه، وقد أختلف مع السلفي لكنني أبدا لا يمكن أن أهيل التراب وأخذل عمرا مديدا من الانتصار للسنة قام به علماء أجلاء لهم قيمتهم واعتبارهم.
في الآونة الأخير شاع منقول من الكلام سخيف لا حظ له من التثبت والرواية، وغير مقبول شكلا وموضوعا في الفاعل والمفعول به، لكن قوما يبغضون التيار السلفي أو يبغضون بعض أتباعه من الشباب الجامد المتشدد، قد استهواهم المنشور لأنهم يرونه يحطم قامة سلفية ويزري بها ويسفه من قيمتها، كان هذا المنشور على ما أنقله هنا بنصه ورسمه.
«الألباني ناقشه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة الحلبي المحدث والعالم الأصولي في علم الحديث صار بينهم محاورة نقلها أخي الشيخ محمد منير رحمه الله قبل وفاته في شهر شعبان عندما قدم الى المدينة المنورة قال لي بالحرف الواحد تناقش معه في مدينة الرياض.
قال له الشيخ عبد الفتاح: هل أنت محدث وعالم بعلم الحديث؟
فرد قائلا: هكذا يقولون.!
فقال له: أنت على من تلقيت الأسانيد من أي العلماء؟
فقال: من الكتب فقال له: هذا لا يكون محدثا ما لم يأخذ من أهل الحديث من لم يتلقاه عن أهله
فهل أنت عالم بعلم النحو والصرف وباقي العلوم لو سمحتم هاتوا لنا صحيح البخاري؟
فأتوا بصحيح البخاري ففتح الشيخ عبد الفتاح على حديث في إحدى الغزوات قال رسول الله صل الله عليه وسلم للصحابة بما معناه اذهبوا وأِربعوا بالكسر
فأعطى الكتاب للألباني وقال له اقرا علينا هذا الحديث، فبدأ الألباني بقراءة الحديث ووصل الى كلمة اربعوا فقال: أَربعوا بفتح همزة الالف
ومعنى أَربعوا بالفتح بان امشوا على أربع ولكن بكسر همزة الالف بمعنى امشوا اربعا بالعدد
فقال له كفى انت تمشي على أربع كفاك جهلا يامن تمشي على أربع اذهب وتعلم اللغة وبعد ذلك اشتغل بالحديث فمن أين طلع فلتة عصره
لكن آل سعود ليس لديهم من يعرف علم الحديث فوضعوه مدرسا لمادة الحديث في الجامعة الإسلامية لفترة من الزمن»
ولعل هذا الكلام وهذه الصيغة وهذه الطريقة لا يستوعبها عقل، لأنها أولا لا يمكن أن تصدر من الشيخ أبو غدة، فلا يليق به هذا أن يحقر أي منتسب إلى العلم أمام الناس، أو أن يقلل منه أو ينصحه على الملأ بما يشبه الفضح.
ثانيا يستحال في أمر الألباني أن يخطئ في اللغة وناهيك عن قراءة الحديث، فالقدر اللغوي الذي يمكن المحدث ليكون محدثا ليس بالأمر المعجز الذي يمنع الألباني أن يكون عارفا به حتى يجاز في الحديث.
ثالثا: لو كانت النصيحة مسددة لحثه أبو غدة أن يضبط أسانيده عند المحدثين بصحبتهم والأخذ عنهم، لا أن يجري له اختبارا في اللغة العربية ونحوها وصرفها.
وإذا كان السعوديون هم من فعلوا ذلك ونصبوا الألباني أستاذا في للحديث في الجامعة الإسلامية، فهذا مما يحمد لهم أن عرفوا قدر الرجل وصدروه، على خلاف من يريد امتهان رجل فريد في طرازه وجهده.
وأمام يا ينتشي به أعداء السلفية من هذا النقل المبهج لأساريرهم أقول من باب الإنصاف: أبو غدة والألباني كلاهما من الأعلام الموقرين، لكن معذرة من أكثرهم خدمة للإسلام والعلم والسنة؟
من أعمقهم أثرا لدى كل طبقات الباحثين والدارسين؟
من الذي وللآن يتردد اسمه مع كل حديث يروى أو أثر يذكر وتطمئن إليه النفس إذا شهد له وأقر بصحته أو ضعفه؟
بل من أعلى كعبا في خدمة الإسلام وأبقى مجدا وإخلاصا للدين الشيخ الغزالي أم الشيخ أبو غدة مع تقديري لعلمه الشاهق وعلو مكانته في التحقيق.
لا شك أن الشيخ الغزالي يحسب اليوم من المجددين، ولكن هذا الشيخ الغزالي نفسه له شهادة عظمى في الشيخ الألباني يجب أن توضع في النظر لكل من يروي هذه القصة الواهية عن الشيخ الألباني مع أبو غدة.
يقول الشيخ الغزالي في مطلع تحقيق كتابه فقه السيرة: «الأستاذ المحدث العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني صاحب قدم راسخة في علوم السنة فشكر الله له جهده في المحافظة على تراث النبوة».
هذه هي المعاني التي يجب أن تصدر وتروى للأجيال من المتدينين، أما أن نروي خيالات وخرافات ومعاني فاسدة لا نجني من ورائها إلا تحطيم علمائنا ورجال خدموا تعاليم الله ورسوله، فهذا مما أراه انتحارا وقضاء بأنفسنا على أنفسنا.
كم يعجبني الدكتور أحمد عمر هاشم وهو المحدث الصوفي وفي إذاعة القرآن الكريم، حينما يروي الحديث يقول في نهايته: صححه الألباني أو ضعفه، وهذا من الصفاء والنزاهة المتجردة من الغل والحقد.
لا مانع أن أختلف معك كصوفي أو سلفي، لكن خلافي معك لا يقودني إلى كرهك إلا إذا كنت تستحق الكراهية، ولا يقودني خلافي معك أن أحقر علماءك إلا إذا كانوا قد استحدثوا ما يستحق التحقير.
علينا أن نفصل بين نوازعنا النفسية العاطفية، وبين الحق الذي يجب أن نتبعه والإنصاف الذي يجب أن نمتطي جناحه.