مقالات

حاتم سلامة يكتب: متدينون ضحية لويس عوض

لا أعلم كيف يبيت ليلهم هانئون أولئك الذين يتجنون على الناس بمقالات السوء والافتراء، ولا توخزهم ضمائرهم أن أساؤوا إلى غيرهم.

لكن عجبك يزول حينما ترى الوهم يفترسهم وهم يظنون أن هذا التجني خدمة جليلة يقدمونها للإسلام، وكلما أمعن أحدهم في السوء كلما كان في دخيلته أقرب الناس إلى الله وأشدهم حراسة للإسلام.!

والأستاذ العقاد رحمه الله وهو الذي نؤكد دومًا أنه من أشد العقول التي خدمت الإسلام، نراه في جملة ما أثير عنه من شبهات وأغاليط، لا يعدو أن يماثل غيره من الأعلام الذين أثيرت حولهم مثل هذه المفتريات بفعل الاستعمار وخصوم الإسلام وجهل بعض أبنائه.

فأنت ترى عجبًا فيما يقال عن أعلام كبار خدموا الإسلام أعظم خدمه، وأبلوا في معترك رسالته خير بلاء، فإذا الضربة تأتيهم ممن؟ هل من خصومهم ومن يختلفون معهم عقديًا ومنهجيا؟ أبدا أبدا.. فالضربة القاصمة التي تريد تشويه شخوصهم ومسيرتهم، تأتيهم من إخوانهم وممن يسيرون معهم على ذات الدرب ونفس الطريق.

فترى متدينون يذيعون إفكًا وبلا دليل: أن فالأفغاني عميل وجاسوس وماسوني وسكير وخبيث وشيعي رافضي ومجنون ومخرب ومحشش ثم ملحد، وغير ذلك من التهم الشنيعة المنكرة التي يمكن كما قيل: ألا تجدها في إبليس ذاته.!

نعم يردد هذا المتدينون والمعنيين بالإسلام ودعوته ومستقبله، ولا يعلمون أنهم يدمرون هذا المستقبل وهم يشوهون عظماء الإسلام بهذا الجور العنيف.

بل انظر حتى لطليعة الأدباء الذين نحمد الله أن خرج منهم من لم يتأثر بلوثة الغرب، واستطاع أن يخدم دينه على أبهى ما يكون، فهذا الإمام محمد عبده معتزلي خائن وصديق للمستعمر، وهذا الأستاذ العقاد كل ما يهم من بعض المتدينين أن يثبت أنه كان لا يصلي، ويقولون عن الأستاذ فريد وجدي أنه كان يقوم بتحضير الأرواح، وسبحان الله فهذان الاسمان وحدهما لا يضارعهما في خدمة الإسلام أحد في عصرنا الحديث لو كانت جماعة عظيمة أو مؤسسة لها روافد ونفوذ.!

ومع هذا يحلو للبعض متفيهقًا أن يهدم هذه الأعلام التي لو قاس المنتقدون أنفسهم بهم وبتراثهم لوجدوا حالهم حال الأقزام والأصفار على الشمال ممن لا قيمة لها لا وزن.

أتعجب كثيرا من كاتب ينتسب لمدرسة سلفية متشددة، وكل همه ورسالته في الحياة أن يدمر الأستاذ العقاد، ويثير حوله المفتريات العظيمة والأكاذيب الضالة، والتجني المبتور، ويحمل أقواله مالم تحتمل، ويقف من خلفه جمهور يصفق له يعجب به، ويدعون له أن يرضى الله عنه لأنه أفهمهم وفتح مغاليق أفهامهم على الحقيقة، ووالله ما أمعن إلا في إضلالهم وخداعهم جهلا أو عمدا.

وليت أمرهم يقف عند الإعجاب وحده، وإنما يشيرون مقالته وينشرون طعنه، ولا يعلمون أنهم مع كل تصفيقة له، إنما يهدمون في الإسلام وينالون من حصونه، ويضربونه في مقتل، تماما كالدابة التي قتلت صاحبها.

وأنت تتعجب كيف لمتدين يهمه أمر الإسلام أن يردد شبهات الحاقدين على دينه، ويكون ألعوبة في أيديهم بهذا الشكل القبيح والصورة المنكرة؟! قطاع عريض من التيار السلفي يقع في فخ (لويس عوض) وهو المفكر الصليبي الذي نجح في ضرب سمعة أكبر زعيم ومجاهد إسلامي عرفه تاريخنا النضالي، وانساق الفريق الجاهل وراءه كالقطيع الأعمى، يرددون شبهاته دون تبين وإبصار.

يقولون دومًا إن أخلاق الرجال ومواقفهم تدل على أخلاقهم وحقائقهم وقد قرأت أنه عندما ذهب إلي الآستانة طلب منه السلطان عبد الحميد أن يدع مهاجمة شاه إيران، وأنصت جمال الدين دون أن يرد، فلما طال إلحاح السلطان عليه قال منهيا الحديث: قد عفوت عنه.

وشده السلطان، وذعرت الحاشية! قد عفوت عنه؟ العهد بعلماء الدين أن يكونوا مدفوعين بالباب ينتظرون الجدا ويشكرون الندا.. فما بال هذا الرجل يناصي الملوك ويحاكم أخطائهم؟

قال المؤرخون: ما كان جمال الدين يري نفسه دون الخليفة.

يقول شيخنا الغزالي:

«هل هذا السمو خلق عميل للماسونية كما يقال؟ إنه خلق متوكل وثيق الصلة بربه، راسخ القدم في دينه، وما سمعت قبله ولا في عصره من كشف أحقاد الصليبية العالمية وألب الجماهير ضدها وشن الغارات شعواء على المستبدين والظلمة، ونفخ من أنفته في الشعوب في الشعوب الراكدة المستعبدة يحضها على العمل لدينها ودنياها، إن الرجل وحده كان صاحب هذا الصوت ويظهر أن تلك كانت جريمته»

ومالي هنا أحشر الغزالي وأنقل قوله، وهو نفسه متهم عند هذا القطاع الذي غفل عن غاية الإسلام وغابت عنه الحكمة في الدعوة وتجمد عقله أمام الفهم الصحيح الذي يريده منه دينه.

وإن تعجب فاعجب حينما يكون الرجل عندهم ملحدا عميلا وكل تراثه الذي خلفه وراءه، ليس فيه كلمة واحدة تغضب الله أو تخدم مستعمرًا أو تخون أمة، كل تراثه وكتبه وما خطه بقلمه، لم يكن إلا انتصارا لله ورسوله، وهكذا يحكمهم الهوى والغرض، ولا يعلم أصحابنا أنهم بهذا التجني هم الخونة الحقيقيون لأمتهم ورسولهم ودينهم.

ألا سحقا للجهل.

حاتم سلامة

كاتب وصحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights