حاتم سلامة يكتب: يبكون على نتائج الثانوية العامة
هل تعلم أن نتيجة الثانوية العامة من أقوى اختبارات الإيمان بالقضاء والقدر، التي سقط فيها من سقط، ونجح فيها من نجح؟ كثيرون اليوم يبكون على نتائج أبنائهم وبناتهم، ويخيل إليهم أن مستقبلهم قد ضاع وانتهى، حينما لم يحققوا المجموع المرجو لكلية كانوا يطمحون فيها.. وما درى هؤلاء أن المستقبل بيد الله، وأن النجاح في الدنيا رزق يكفله الله لمن يريد ويشاء، فكم من أثرياء وأغنياء يشار إليهم بالبنان، ولم يتخرجوا من الطب والهندسة والشرطة، وإنما من أقل الكليات، بل منهم من لم يتلق تعليمه بالمدارس والجامعات، وكم من نابغين نابهين، سطعت ألمعيتهم من كليات ضئيلة المقام هينة الانتساب.
المستقبل يا قوم بيد الله، ثم تغلبني الحيرة ممن يبكي اليوم لأن ولده أو ابنته لم يحرز المجموع الأعلى، لأنه كان يتمنى أن يقال له: أبو الدكتور أو أبو المهندسة، يريد أن يتباهى ويتفاخر بتفوق ولده، وكأنه يعالج نقصًا فيه، وعقدة أرقت ذاته ونفسه.
هم اليوم يعتصرم الألم ويبكون بدلا من الدموع دما، وأغلقوا هواتفهم حتى لا يردون على أحد يطمئن أو يبارك.
لقد سقطوا بكل امتياز في عقيدة القضاء والقدر، وأثبتوا جهلهم بحكم الحياة وأسرار الدنيا، التي تأتي دائما عكس التوقعات والترتيبات.
وأنا هنا لا شأن لي بأسباب الإخفاق، ومصدر الكارثة، وسوء الإدارة للعملية التعليمية، انا فقط أتحدث عن أزمة كائنة، ونازلة أصابت القلوب بالهم والحزن، كيف نقابلها بحكمة وصبر؟
هذا طالب لم يحقق المجموع المرجو، فدخل كلية متدنية حسب نظرة المجتمع وتقويم الناس، ثم اجتهد فيها ونشط حتى نال الدكتوراه، التي تفوق الطب والهندسة علما ومكانة.
انظر يوم حقق هذا الطالب طموحه..انظر إلى والده الذي تتفجر عينه سعادة وفخرا بولده، إنه هو نفس الوالد الذي كان يصرخ ويصوت ويولول، وينشر الحزن والكآبة في كل مكان، حينما ظهرت نتيجة والده في الثانوية العامة منذ زمن فات.
ولو أنه كان يعلم ما يخبئه القدر لما اغتم هذا الغم، وحزن كل هذا الحزن.
اتقوا الله وارحموا أبناءكم، واربتوا على أكتافهم وقبلوهم، وقولوا لهم: لقد بذلتم جهدكم وأديتم واجبكم، والله يقدر لكم الخير.
بقي شيء نقوله لهؤلاء الحزانى:
الشيء الوحيد الذي تبكي عليه حينما يضعف وينهار ويأتي على غير مرادك، هي أخلاق ولدك، فالمجتمع لا يريد منك أن تصدر له الضابط والمهندس والطبيب بقدر ما يريد منك أن تصدر له ولدا صاحب خلق ومروءة وشهامة ودين، يبني الحياة وينصر القيم.
ربما لا يعجب كلامي بعضهم لكنها الحقيقة التي تنطق بها الأيام، فإننا جميعا نسمع عن أصحاب مناصب أو مهن أو وظائف، تخرجوا من أعالي الكليات وهم مهملون جشعون مفسدون، لا يهمهم حال الناس وضعفهم، ولو طالوا أن يمتصوا دماءهم لفعلوا.. فهل يا ترى لو كان أبناءك من أمثال هؤلاء، أكانوا يستحقون ذلك اليوم الذي بكيت فيه على نتائجهم؟ ألا ليتهم ما كانوا ولا كانت نتائجهم.
وعلى الوجه المقابل ندرك كثيرا من النماذج الإيجابية فيمن نالوا الكليات الرفيعة، ولكن هذا قدر الله، فهل تناطح قدر الله؟
هذا مستوى ولدك وسعة جهده، والله تعالى يخبئ له الخير ولكنك لا تعلم فالصبر والبشرى والفرح وكل ما يأت به الله تعالى خير وبركة.