الأمة الثقافية

“حاجز رقيق”مجموعة قصصية تكشف إستغلال الرأسمالية للطبقة الوسطى

 
كتب : علي عليوه
 
انتقد الناقد الدكتور محمد عبد الله حسين، أستاذ الأدب الحديث والنقد الأدبى بكلية دار العلوم جامعة المنيا، ما أسماه بتكريس واقع ثقافى منحرف من خلال ما يتم تنظيمه من ندوات لا ترقى إلى مستوى الإبداع الحقيقي، مؤكدا مسؤولية بعض النقاد عن ذلك.
 
 مشيرا إلى أننا صرنا نسمع عن الكاتبة الفاتنة وإله النقد وغيرها من المصطلحات التى انتشرت كعملات رديئة فى الوسط الثقافى، مؤكدا أنه من الرائع أن تجد أعمالا تشبهك.
 لافتا إلي أن مجموعة القاصة نفيسة عبد الفنتاح قد أعادته إلى النشاط الثقافى مرة أخرى بعد انقطاع دام  لأكثر من سبع سنوات.
 
  بينما أكد الدكتور هانى اسماعيل أبو رطيبة أستاذ الأدب الحديث بكلية الأداب جامعة بنى سويف فى حديثه عن رؤيته للنصوص أن هناك عددا من المشكلات طرحتها الكاتبة منها تسليع المرأة وأكل الميراث واستعمار الوعى مشيرا إلى أن الكاتبة منغمسة فى مآسى مجتمعها رغم أنها تكتب بصوفية وروحانية.
 
جاء ذلك خلال الندوة التى نظمتها اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين برئاسة محمود كامل لمناقشة  المجموعة القصصية ( حاجز رقيق) للقاصة والروائية نفيسة عبد الفتاح وهى المناقشة التى أدارها الفنان التشكيلى والقاص أحمد عبد النعيم.
 
 وقال الدكتور محمد عبد الله حسن أن نفيسة عبد الفتاح كاتبة تكتب بذوب القلوب، ومداد حلاوة الذكريات ومرارة الإنكسار، فهى سيدة لديها ذكريات رائعة ومع ذلك لديها انكسارات شديدة .
 
 وهى كاتبة تسبح ضد التيار، فقد خالفت السائد محاولة العودة مرة أخرى ‘لى الواقعية، فى زمن سادت فيه لغة الحسد  والجنس الصريح وأصبحت هذه الأشياء هى جواز المرور لأى عمل  روائى أو قصصى تحت دعاوى  مابعد الحداثة وحرية الإبداع،فى خلط واضح للمفاهيم النقدية.
 
 ونفيسة هنا تحاول أـن تقول لا قفوا هناك إبداع حقيقي، ،فهى منغمسة فى الواقعية بشقيها، واقعية إنتقادية وواقعية إشتراكية، وأشار الناقد الكبير إلى أن غلاف المجموعة يجعلنا بصدد الدخول إلى عالم من الحواجز الفاصلة .
 
مشيدا بالفنانة مصممة الغلاف ياسمين ناصر التى استطاعت من خلال اللون واستخدام اللوحات إدخالنا إلى عالم النصوص، التى تدور فى مجملها حول رحلة الإنسان من الحياة إلى الموت، وجدوى الحياة، بداية من نص استغماية الذى تفتتح به المجموعة والذى اعتبر أن الاستغماية هذا الطقس الشعبى الذى بمثابة لعبة الحياة.
 
 مؤكدا أن الكاتبة صنعت مفارقة مذهلة بأن تكون الأحداث كلها تدور فى يوم العيد وفى المقابر، مؤكدا أن اللافت للنظر فى عدد كبير  من قصص المجموعة هو كسر أفق التوقع، حيث يصبح المتلقى مشاركا فى النص وتفاجئه الكاتبة بأن تكسر أفق توقعه.
 
 كما أشار إلى أن الكاتبة قد أطلقت جرس إنذار فى قصتها كسور، مؤكدة أن هناك طبقة متوسطة مازالت موجودة وأن حواجز رقيقة تفصل بين أبناء الطبقة الواحدة ، وأن أهم شىء فى القصة هو ما تثيره من تساؤلات حول أسباب ضياع شريحة من هذه الطبقة.  
 
وأضاف أن قصة ازدواج تعكس صراع الإنسان مع الوجود وكيف يقود سفينة الحياة إلى مرافىء الأمان، مشيرا إلى انفتاح الكاتبة فى هذه القصة وفى قصص أخرى على فنون أدبية أخرى، وفى نصها حلم ليلة قدر، تسبح الكاتبة فى عالم الروح.
 
 حيث حاولت أن تظهر فلسفة التدين بين الشكل والمضمون،حيث استطاعت الكاتبة أن تجعل الواقع المرير يتحول إلى واقع سرمدى، وعندما تصعد إلى العالم السرمدى ، تعيدنا إلى الواقع.
 
وقد عكست الكاتبة الواقع فى أبشع صوره ومعاناة الطبقة المتوسطة فى قصة كأنها كتبت الآن وهى قصة ” بمزاجه” فانفتحت القصة على عوالم واحتمالات مثلت الآلة الجهنمية التى يمارسها المستغلون كل يوم ضد هذه الطبقة.
 
 واعتبر الدكتور محمد عبد الله حسين أن “نقطة تقاطع” من أهم قصص المجموعة لأنها تجربة إنسانية بين الموت والحياة ، حيث يتعرى الإنسان تماما ، وتبوح بطلتها بما تسببت فيه من مشكلات وهى قصة منفتحة على السيناريو، وتؤكد الكاتبة من خلال نصها حاجز رقيق، أن الصوفية هى الملاذ الأخير.
 
 مشيرا إلى أنه كان يتمنى أن يكون اسم المجموعة باسم نص ” ونس” الذى كتبته الكاتبة وتتمثل فيه كل الأسر  من الطبقة المتوسطة من خلال أجواء أول ليلة من رمضان فى بيوتنا وشوارعنا، فهى قصة نرى فيها أنفسنا ، وتكسر بطلة النص أفق التوقع للجميع ، بأن لا تفطر فى أحد  بيوت العائلة بل تختار أن تفطر أول يوم فى دار للأيتام.
 
 وأشار إلى غوص الكاتبة فى عمق العادات فى الصعيد من خلال نص قبل أن يغمض عينيه، مشيرة الى عادات الزواج السيئة التى تسببت فى عقد نفسية لبطلة النص وفى المقابل ظل الزوج وفيا حتى لحظة الموت.
 
 مؤكدا أننا بصدد كاتبة مثقفة صاحبة مشروع إبداعي كشفت مجموعتها عن قدرات خاصة، استخدمت الكثير من تقنيات الكتابة الحديثة، من كسر أفق التوقع وتقنيتا الاسترجاع والاستباق ،ولغة المفارقة والانفتاح على الفنون الابداعية الأخرى.
 
 وكان الدكتور محمد عبد الله حسين قد أشار خلال رؤيته النقدية للمجموعة إلى أنه عندما درس لطلبة الدراسات العليا رواية  تراب أحمر  لنفيسة عبد الفتاح عام 2014 ـ 2015 ، كان اختباره لها لأنها  استفزته حيث استخدمت الكاتبة الواقعية السحرية فى نصها الذى اختارت له قلب أفريقيا مع استخدامها لتقنيات مختلفة فى السرد.
 
 وأكد أنه عندما اطلع على مجموعتها الأخيرة قبل دون قيد أو شرط أن يأتى من المنيا لمناقشتها لأنه بصدد إبداع جيد يمكن أن يأتى ليناقشه  سيرا على الأقدام، رغم أنه يمر بظروف صحية صعبة ، مقررا ان تدرس المجموعة لطلبة الدراسات العليا من العام القادم.
 
 وجاءت الدراسة التى قدمها الدكتور هانى إسماعيل أبو رطيبة، ليؤكد، أن النصوص فى المجموعة تبدو ككتلة واحدة استدعت صورة ماريا الإشبيلية وكنت أفتش عنها بين النصوص ووجدتها لذلك عاودت قراءة المجموعة، وارتبطت هذه المجموعة القصصية بالصوفية وتحديدا مقابسات النفرى .
 
 فقد وجدت النفرى فى أكثر من قصة، كما لمست البعد الثانى وهو الماركسية ومن هنا سأبدا، حيث جذبنى الخطاب القصصى لفكرة استعمار الوعى، ويتجلى ذلك فى احدى القصص التى تتحدث فيها بطلتها عن تغيير العادات  بمحاولة منع زيارة المقابر بزعم أنها حرام.
 
 وهو مايمثل استعمارا للوعى  من خلال ثقافة أموال النفط حيث المال والسلطة سويا حاولا  استعمار الوعى بتغيير التركيبة الثقافية للمجتمع المصرى، لأن زيارة المقابر هى عادة مصرية قديمة لا تتعارض مع الإسلام، ثم نأتى إلى فكرة أكل الميراث داخل مجتمعنا، وهى عادة أصيلة فى صعيد مصر.
 
 مشيرا إلى أن الكاتبة تحدثت عن العادات السيئة التى نمارسها بكل بساطة، مؤكدا على أن النصوص تشير إلى ما أصبنا به من بلادة انسانية وتتجلى فى مشهد حديث المرأتين أثناء غسل العمة عن توزيع مقتنياتها التي سرقتاها وتزويج أولادهما باموال تلك المسروقات.
 
أما الفكرة الثالثة فكانت فكرة التسليع الذى تم للفتاوي التى بيعت وقتلت طفولتها وقتل قلبها عندما أعجب الحبيب بالخط المكتوب وتركها، مشيرا الى المفارقات العجيبة التى ترتبط كلها بالفقر مشيرا إلى ما تفعله الرأسمالية بالبشر.
 
 كما أكد أن ثقافة الإستهلاك التى تخاطب بها الرأسمالية المرأة والطفل، وهى تتجلى فى نص بمزاجه ، وتحدث الناقد عن آخر نصوص المجموعة ” نصف قلب” حيث أحدثت الكاتبة تناصا مع طوق الحمامة لابن حزم، حيث يموت الرجل إذا أحب ولم ينل محبوبته.
 
لافتا إلي أن المرأة أصدق حبا من الرجل، لكنها تحب بعمق شديد ويسهل عليها أن فارقت أن تخلص لمن ترتبط به برباط شرعى، مشيرا إلى أن البطلة فى النص فارقت زوجها مرغمة لأن الجد رأى أن أهله خانوا الأمانة وبعد زواجها الثانى ماتت.
 
 وهو مايعنى أننا اذا فارقتنا الانسانية متنا، سواء عشنا أو ذهبنا إلى القبور، كما تماست أو تناصت مع الكوميديا الإلهية ومع التوابع والزوابع ومع المعرى، حينما كانت تنقلنا إلى العالم الآخر، فقد تحدثت على لسان الموتى أو المريض الذى سيفارق الحياة، ورصدت لنا الواقع الاجتماعى من خلالهم.
 
مؤكدا أن الغلاف يشير الى أننا نعلو ونمسك بالقمر إذا تحلينا بالإنسانية ،ونتشح بالسواد إذا ما فارقتنا، ثم يأتى عنوان المجموعةـ وكأنها تقول لى أن هناك “حاجز رقيق” بين كل هذه المشاهد التى ستبصرها بوصفك المتلقى لهذه النصوص .
 
 مؤكدا أن القاصة تكتب الواقع وهى تتحلى بالمثالية والصوفية والروحانية رغم أنها تنغمس فى مآسى المجنمع.
 
 شارك فى الندوة نخبة من الشعراء والكتاب حيث ألقى الشاعر ماجد أـبادير قصيدة كتبها فى رثاء أخيه اتسمت بروحانيات عالية بينما ألقت الشاعرة منال الصناديقى قصيدة من آخر إصداراتها ” رسايل” توافقت تماما مع الحالة الروحية التى اتسمت بها الندوة. 
 
وشارك فى الندوة القاص والكاتب الصحفى محمد هلال الذى أكد على ضرورة أن يلتزم الكاتب باللغة العربية ليمكن ترجمته وخروجه إلى العالمية وقال الدكتور محمد عبد الله حسين أن نفيسة عبد الفتاح فى الحوار الذى تكتبه داخل النصوص تكتب مايمكن تسميته ” الفصحعامية” .
 
بينما أكدت الناشرة والكاتبة ولاء عبد الله صاحبة دار نشر أم الدنيا أنها تعلم جيدا أن الصحافة تأخذ الكاتب بعيدا فينشغل عن نشر إبداعه وهو مادعاها لطلب هذه المجموعة للنشر لأنها تعلم جيدا أن الكاتبة لديها الكثير مما لم ينشر بسبب انشغالها فى خضم المعارك الصحفية.
 
 واضافت الشاعرة والناقدة منال رضوان اننا امام قاصة تكتب كتابة شفيفة ورغم اهتمامها بالتفاصيل إلا انها تكتب سردا مكثفا دون ترهل كما انها منفتحة على تقنيات الكتابة الحديثة وتكتب بإنسانية شديدة.
 
 وقال القاص أحمد عبد النعيم أنه كان يندهش عندما تعطه الكاتبة عملا من أعمالها الأدبية ويشعر وكأنها تأخذ استراحة محارب بكتابة الأدب.
إلا أنه رأى ذلك عندما كان يقرأ لإحسان عبد القدوس مقالا ساخنا فى السياسة ثم فى نفس العدد يقرأ له فصلا شديد الرومانسية والجمال من إحدى رواياته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى