شهدت مدينة بولدر بولاية كولورادو الأمريكية حادثة جدلية بعدما تعرضت مسيرة مؤيدة لإسرائيل لهجوم بزجاجات حارقة، ما أسفر عن إصابة عدد من المشاركين، معظمهم من الجالية اليهودية. ورغم التنديد السريع بالهجوم من مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين واعتباره “عملاً إرهابيًا”، إلا أن الحدث أعاد طرح تساؤلات حول طبيعة الحركات التي تتخفى خلف شعارات إنسانية وتخفي في طياتها انحيازًا سافرًا للاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة.
المسيرة التي نظمتها مجموعة تُدعى “اركضوا لإنقاذ حياتهم”، والتي تأسست في كاليفورنيا وتنتشر في أكثر من 230 مدينة حول العالم، تقدم نفسها كحركة تطالب بالإفراج عن رهائن لدى حماس، لكنها في الواقع تتجاهل آلاف الضحايا المدنيين الفلسطينيين الذين قُتلوا أو شُردوا جراء القصف الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر 2023، في حرب وصفتها جهات حقوقية بأنها الأعنف والأكثر دموية في تاريخ القطاع المحاصر.
الحدث أثار غضبًا مضادًا في الأوساط المتضامنة مع القضية الفلسطينية، والتي ترى أن فعاليات من هذا النوع تُسهم في تبييض صورة الاحتلال وتُعيد تعريف المجرم كضحية، بينما تُسكت الأصوات المطالبة بالعدالة للفلسطينيين. ويذهب البعض إلى القول إن المسيرات التي تُنظَّم في الغرب تحت لافتات إنسانية كثيرًا ما تتجاهل جذور الأزمة، وهي الاحتلال المستمر والحصار الممنهج والعنف الذي تمارسه إسرائيل يوميًا ضد السكان المدنيين في الضفة الغربية وغزة.
المشتبه به في الهجوم، وهو مواطن مصري دخل الولايات المتحدة في 2022، رُصد في تسجيل فيديو وهو يهتف بشعارات مناهضة للصهيونية ومؤيدة لفلسطين، ما أثار جدلًا حول الدوافع السياسية الكامنة خلف الحادثة، وإن كانت تعكس احتجاجًا فرديًا ضد ما يراه البعض تواطؤًا غربيًا مع جرائم الاحتلال.
وبينما سارعت وسائل الإعلام إلى وصف ما حدث بأنه هجوم إرهابي، تتجاهل كثير من التغطيات ذاتها مشاهد الأطفال القتلى في غزة والمستشفيات المدمرة والمجازر الليلية، مما يعكس ازدواجية في المعايير الإعلامية والسياسية. فالرهائن الذين تسعى هذه الحركة للدفاع عنهم، جاء اختطافهم في سياق هجوم دموي مستمر أدى إلى تهجير آلاف العائلات الفلسطينية ودمار شامل في البنية التحتية للقطاع المحاصر منذ أكثر من 15 عامًا.
في ظل تصاعد الاحتجاجات حول العالم ضد السياسات الإسرائيلية، يبقى السؤال المطروح: هل ما زال الرأي العام الغربي قادرًا على التمييز بين التضامن الإنساني الحقيقي، والدعم الموارب لقوة احتلال ترتكب جرائم حرب موثقة؟ وهل المسيرات التي تُنظَّم أسبوعيًا في شوارع أوروبا وأمريكا هي حقًا من أجل السلام، أم أنها مجرد وجه آخر لدعم ممنهج لسياسات العنف والإبادة الجماعية التي تُمارس يوميًا في غزة؟