في واحدة من أسوأ الكوارث البيئية التي شهدتها محافظة اللاذقية السورية خلال السنوات الخمس الأخيرة، اجتاحت حرائق ضخمة مناطق واسعة من الريف الشمالي للمحافظة منذ أسبوع، وأتت على أكثر من 10,000 هكتار من الغابات والأراضي الزراعية، مخلّفة دمارًا واسع النطاق ونزوحًا إنسانيًا متسارعًا.
وأعلنت جماعة «سرايا أنصار السنّة» مسؤوليتها عن إشعال الحرائق في بيان تداولته حسابات مرتبطة بها على تطبيقات مشفرة، مؤكدة أن الهجمات تأتي ضمن ما وصفته بـ”حملة التطهير الطائفي”، وهو ما أثار حالة من الغضب والقلق في الأوساط المدنية والسياسية على حد سواء.
خسائر بشرية ومادية فادحة
بحسب تقرير صادر عن منظمة «ساري العالمية» بتاريخ اليوم، فقد تضرر 5,000 مقيـم في 12 قرية ريفية، فيما بلغ عدد النازحين أكثر من 1,120 سوريًا معظمهم من كبار السن والأطفال، تم إيواؤهم مؤقتًا في مدارس ومراكز جماهيرية داخل مدينة اللاذقية.
الحرائق لم تقتصر على تدمير الغابات، بل أحرقت أيضًا بساتين زيتون عمرها عشرات السنين، وتسببت في نفوق مئات رؤوس الماشية وتلف محاصيل موسمية. كما لحقت أضرار جسيمة بالبنية التحتية الزراعية التي تشكّل مصدر دخل رئيسي للمنطقة.
شلل في الخدمات وانقطاع الكهرباء والمياه
أفادت تقارير محلية بتعطّل محطة كهرباء «البسيط»، إحدى المحطات الرئيسية التي تغذي المنطقة، نتيجة اقتراب الحرائق من خطوط الضغط العالي. وقد تسبب ذلك بانقطاع الكهرباء عن مناطق واسعة، وأدى لاحقًا إلى تعطل عدد من محطات ضخّ المياه، ما فاقم معاناة الأهالي ونقص الإمدادات الأساسية.
فرق الإطفاء تواجه تحديات خطيرة
تواجه فرق الإطفاء صعوبات كبيرة في احتواء الحرائق بسبب وجود ألغام أرضية وذخائر غير منفجرة في المناطق الجبلية المحيطة بـ«جبل التركمان»، ما يعوق تحرك الآليات ويهدد سلامة عناصر الدفاع المدني.
ورغم تدخل الطيران المروحي في بعض الجيوب النارية، إلا أن وعورة التضاريس واتساع رقعة الحرائق يجعلان من جهود السيطرة تحديًا معقدًا ومكلفًا.
نداءات للمساعدة الدولية
وجّهت منظمات إغاثية وبيئية سورية نداءات عاجلة إلى المجتمع الدولي للتدخل الفوري، وتقديم مساعدات عاجلة في مجالات الإيواء والغذاء والمعدات المتخصصة لمكافحة الحرائق. كما طالبت بإدانة هذه الأفعال الإرهابية التي تستهدف البنية المجتمعية والطبيعية لسوريا.
كارثة بيئية بأبعاد استراتيجية
يرى محللون أن ما يحدث في ريف اللاذقية لا يعد فقط تهديدًا بيئيًا بل جزءًا من حرب استنزاف طويلة تمارسها جماعات مسلحة تستهدف مناطق حيوية ومعقولة الاستقرار. إذ تشكل الغابات والأراضي الزراعية في اللاذقية عمقًا استراتيجيًا للاقتصاد المحلي، واستهدافها بهذه الطريقة يحمل رسائل أمنية خطيرة.
في الوقت الذي تبذل فيه الجهات المحلية أقصى طاقتها للسيطرة على الأزمة، يبقى خطر تجدّد الحرائق قائمًا، ويظل آلاف السوريين مهددين في أمنهم الغذائي والسكني، في ظل غياب منظومة استجابة متكاملة.