
تدخل الحرب السودانية عامها الثالث في أبريل 2025، مخلفة وراءها كارثة إنسانية غير مسبوقة، وصفتها الأمم المتحدة بـ”الأسوأ عالميًا”، والاتحاد الأوروبي بـ”الأزمة الأكثر فداحة في القرن الحادي والعشرين”. بدأت كصراع عسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لكنها تحولت سريعًا إلى حرب ضد المدنيين، مع ارتفاع معدلات القتل والتشريد وتدمير البنية التحتية والاقتصاد. وبلا حلول تلوح في الأفق، يواجه السودان خطر انهيار شامل.
تصاعد العنف: المدنيون في مرمى النيران
لم تعد الحرب تقتصر على مواجهات عسكرية، بل أصبحت استهدافًا مباشرًا للمدنيين. القصف العشوائي بالمدفعية والبراميل المتفجرة يطال الأحياء السكنية، بينما تنتشر عمليات الإعدام الميداني بناءً على الهوية العرقية أو الانتماء الجهوي. في بلدة طيبة الحسناب جنوب الخرطوم، قتل شيخان في التسعين من عمرهما بدم بارد بتهمة “التعاون” مع الطرف الآخر، في مشهد يعكس وحشية الصراع. تقارير الأمم المتحدة تؤكد أن المدنيين يتحملون وطأة الحرب، مع مقتل عشرات الآلاف وإصابة مئات الآلاف.
دمار شامل: اقتصاد منهار وبنية تحتية مدمرة
خسائر الحرب الاقتصادية تقدر بنحو 200 مليار دولار، مع تدمير 60% من البنية التحتية. القطاع الصناعي في الخرطوم، الذي يشكل 85% من الصناعة الوطنية، انهار بالكامل. مصفاة الجيلي، المصدر الرئيسي للمنتجات البترولية، توقفت عن العمل بعد قصف متكرر، مما أجبر السودان على استيراد 100% من احتياجاته النفطية. القطاع الزراعي، العمود الفقري للاقتصاد، تراجع إنتاجه بنسبة 46%، مع انخفاض إنتاج الذرة بـ42% والدخن بـ64%، مما يفاقم أزمة الأمن الغذائي. تدهور الجنيه السوداني بنسبة 81%، وسجل التضخم 245%، بينما ارتفع العجز المالي إلى 9.1% من الناتج المحلي.
أزمة إنسانية غير مسبوقة: نزوح ومجاعة
تسببت الحرب في نزوح 14 مليون شخص، منهم 11.3 مليون نازح داخلي و4 ملايين لاجئ إلى دول الجوار، وهي أكبر أزمة نزوح عالمية وفقًا لمنظمة الهجرة الدولية. يعاني 20 مليون شخص من خطر المجاعة، و30.4 مليون بحاجة إلى مساعدات إنسانية. الأطفال، الذين يشكلون نصف النازحين، يواجهون سوء التغذية الحاد، مع خروج 16.5 مليون طفل من المدارس. تفشي الأوبئة مثل الكوليرا وحمى الضنك يزيد من المعاناة، مع انهيار 70% من المستشفيات.
انتهاكات مروعة: العنف الجنسي وسجون التعذيب
تشهد الحرب انتهاكات خطيرة، منها استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب، حيث تهدد 12.1 مليون امرأة وفتاة هذا الخطر. قوات الدعم السريع متهمة باغتصاب وقتل الآلاف، بينما يمارس الطرفان التصفية العرقية. سجون الدعم السريع، التي وصفها الناجون بـ”الجحيم”، شهدت تعذيبًا وحشيًا وتجويعًا أودى بحياة العديد من المعتقلين. مقاطع فيديو مروعة تظهر هزال الناجين، الذين عاشوا في ظروف غير إنسانية.
تدمير التعليم والصحة: جيل مهدد بالضياع
القطاع الصحي خسر أكثر من 11 مليار دولار، مع مقتل 60 طبيبًا وتدمير المختبرات الطبية الرئيسية. في التعليم، تأثرت 20 ألف مدرسة، وخرج 6-7 ملايين تلميذ من التعليم. بعض المدارس تحولت إلى ثكنات عسكرية أو مقابر، مما يهدد بتقسيم الوجدان الوطني وخلق جيل أمي. معلمون حرموا من رواتبهم، وتوقفت امتحانات الشهادة السودانية في مناطق واسعة، مما يعرض مستقبل مئات الآلاف من الطلاب للخطر.
نهب وتدمير الممتلكات: حرب على الهوية
لم تقتصر الحرب على القتل والتشريد، بل امتدت إلى نهب المنازل والممتلكات. قوات الدعم السريع اتهمت بنهب السيارات والمقتنيات، بينما شهدت المناطق “المحررة” موجات نهب جديدة. الطرفان يبرران عمليات النهب بتهمة “التعاون” مع الخصم، مما زاد من معاناة المدنيين.
غياب الحلول: المجتمع الدولي يشاهد
على الرغم من التقدم العسكري للجيش، لا توجد بوادر لحل سياسي. القصف الجوي والمدفعي مستمر، والحصار على مدن مثل الفاشر يفاقم الأزمة ال İnsanية. ناشطون مثل عبد الرحمن خضر وفاطمة محمود يطالبون بتدخل دولي عاجل لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين. برنامج الأغذية العالمي يحتاج 650 مليون دولار لتغطية الاحتياجات الغذائية، لكن العراقيل المتعمدة تعيق وصول المساعدات.
حرب ضد الشعب
ما بدأ كصراع على السلطة بين جنرالين تحول إلى حرب ضد الشعب السوداني. وصفها قائد الجيش بـ”العبثية”، بينما يراها الأمين العام لـ”أطباء بلا حدود” كريستوفر لوكيير “حربًا على الناس”. مع استمرار القتال، يدفع المدنيون الثمن الأكبر، بينما يبقى السؤال: متى يصحو ضمير العالم لهذه المأساة المنسية؟