تتواصل الهجمات الإسرائيلية على القرى الجنوبية اللبنانية، لكن ما يبدو كاستهداف عسكري مباشر، يخفي وراءه حربًا نفسية أعمق تسعى إلى تفكيك المجتمع وحرمان السكان من العودة إلى منازلهم، حتى في المناطق التي لم تُدمَّر بالكامل.
في مشهد يومي متكرر، تحلّق الطائرات المسيّرة الإسرائيلية على مدار الساعة فوق سماء الجنوب، بالتزامن مع قصف متقطع، وإلقاء قنابل صوتية، وتوغلات ميدانية محدودة تزرع الخوف وتشل الحياة الطبيعية.
استهداف مباشر للمدنيين والمنشآت
صباح الأربعاء، أصيب شاب في بلدة المنصوري إثر غارة لطائرة مسيّرة، بينما أُصيب آخر في رب ثلاثين جراء انفجار قذيفة من مخلفات الحرب. كما أطلقت قوات الاحتلال النار على شاحنة مدنية في ميس الجبل، دون إصابات.
وفي حادثة أخرى، أُلقيت ثلاث قنابل صوتية في بلدة حولا، فيما توغّلت قوة إسرائيلية في منطقة طوفا بين ميس الجبل وبليدا، وأضرمت النيران في شاحنة لنقل الردميات.
شهادات من قلب الأزمة: لا مكان آمن حتى في الأرض الزراعية
محمد، من سكان بنت جبيل، يقول إن المسيّرات لا تفارق السماء، والقصف يستهدف مناطق سكنية بشكل متعمد. “نقاط المراقبة الإسرائيلية تقيّد تحركاتنا، لم نعد نجرؤ على استخدام الطرق المعتادة خوفًا من الاستهداف الجوي”، يقول لـ”الشرق الأوسط”.
من جهتها، روت منى عواضة من كفركلا، كيف استُهدف بيتها الجاهز في أرضها الزراعية بعد عودتهم المؤقتة: “الرسالة واضحة: لا مكان آمناً لكم، حتى في أرضكم الخاصة”.
غياب العودة رغم الهدنة
في بلدة ميس الجبل، عاد فقط 500 من أصل 7,000 نسمة إلى منازلهم، بحسب الرئيس الأسبق للبلدية عبد المنعم شقير، الذي أكد أن الطيران المسيّر يخيّم على البلدة، ويمنع السكان من التحرك بحرية.
وأضاف: “كل مشروع إعمار يُقابل بالقصف. منازل قائمة لا يستطيع أصحابها العودة إليها، والمقيمون يعيشون على فرش إسفنجية في مدارس مؤقتة”.
شرخ اجتماعي وتفكك في النسيج الأهلي
علي مراد، من بلدة عيترون، يرى أن الجنوب يشهد “تغريبة رابعة”، مشيرًا إلى تفكك النسيج الاجتماعي وتفشي الأزمات الاقتصادية في القرى، حتى تلك التي لم تُدمَّر بالكامل. “نحن نعيش فقدانًا للأمل وتفتّتًا في الروابط الاجتماعية، وقد تحتاج العودة إلى عقد أو أكثر”، يقول.
تحليل: سياسة ممنهجة لتفريغ القرى من سكانها
تُشير الوقائع الميدانية إلى أن إسرائيل تعتمد استراتيجية طويلة الأمد تقوم على بثّ الرعب عبر الهجمات النفسية والميدانية لردع عودة السكان، وتعطيل أي جهود لإعادة الإعمار، مما يرسّخ واقعًا أمنيًا هشًا ويضعف الروح الجماعية للصمود.