في واحدة من أكثر الحوادث خطورة على البنية التحتية المعلوماتية في مصر، استيقظت القاهرة في صباح يوم الأحد 7 يوليو 2025 على مشهد درامي في واحدة من أهم المنشآت السيادية في البلاد: حريق ضخم اندلع في سنترال رمسيس، أحد المراكز المحورية لشبكة الاتصالات في مصر. تصاعدت ألسنة اللهب من الطابق السابع في المبنى،
أهمية المبنى كمركز إداري وتقني حساس
وتحوّل الحريق خلال ساعات إلى قضية رأي عام تمسّ الأمن القومي، بسبب أهمية المبنى كمركز إداري وتقني حساس يحتوي على خوادم، تجهيزات ربط اتصالي، ووحدات مرتبطة بأجهزة أمنية سيادية (وكالة أسوشيتد برس).
الحريق، الذي استمر أكثر من 12 ساعة، لم يكن عابرًا. فقد خلف خسائر بشرية بلغت أربعة قتلى من الموظفين و27 مصابًا، تم نقلهم إلى مستشفيات مختلفة لتلقي العلاج.
وقد تم إخلاء المبنى وإغلاق محيطه بالكامل، بينما دفعت الدولة بقوات دفاع مدني ضخمة، واستُخدمت وسائل إطفاء متقدمة للسيطرة على ألسنة اللهب التي اخترقت الطوابق العليا، فيما كانت قوات الأمن تطوّق المنطقة بإحكام (AP News، رويترز).
الخلفية التاريخية للمبني
تاريخ المبنى أثار جدلًا واسعًا عقب الحريق، خاصة مع تداول معلومة مغلوطة تشير إلى أنه بُني في عهد الملك فؤاد عام 1927. لكن الصحفي والمؤرخ صلاح الإمام دحض هذه المزاعم،
مؤكدًا أن مبنى سنترال رمسيس الحالي بُني في عهد الرئيس السادات في السبعينيات، وافتُتح في الثمانينيات، أما ما أُنشئ في عهد الملك فؤاد فهو جزء صغير من مبنى وزارة النقل القديم والمجاور للمبنى المحترق، ولا علاقة له بهذا المبنى الضخم المعاصر الذي يعكس طراز عمارة تلك المرحلة الزمنية.
ولفت الإمام إلى أن هذا الخطأ تكرر في عدة وسائل إعلام، ما يعكس خللًا في التوثيق التاريخي ويزيد من ضبابية المشهد العام (صلاح الإمام – منشور شخصي عبر فيسبوك).
الحريق أدى إلى شلل جزئي في خدمات الاتصالات الأرضية والمحمولة في مناطق وسط القاهرة، حيث تأثرت البنية التحتية للربط الشبكي.
كما شهدت خدمات الإنترنت، وخدمات الدفع الإلكتروني، وأجهزة الصراف الآلي (ATM) اضطرابًا لعدة ساعات، مما دفع بعض البنوك إلى اتخاذ إجراءات طارئة لتأمين العمليات.
وامتد الأثر ليصل إلى البورصة المصرية التي علّقت التداول احترازيًا صباح الثلاثاء 8 يوليو لتفادي وقوع خلل محتمل في منظوماتها الرقمية المعتمدة على شبكة الاتصالات المتضررة (الجزيرة نت).
من ناحية البنية الأمنية، فإن المبنى كان يضم، وفق مصادر غير رسمية، مكاتب تابعة لأجهزة سيادية ومعلوماتية على مستوى الجمهورية، ما أثار قلقًا واسعًا بشأن إمكانية تلف أو تسرب معلومات حساسة،
وهو ما لم تؤكده أي جهة رسمية حتى الآن. غير أن خبير الاتصالات والتأمين الرقمي، المهندس مصطفى ناصف، صرح لموقع «المال» أن مثل هذه المنشآت من المفترض أن تخضع لمعايير أمنية صارمة تشمل أنظمة إنذار مبكر، وحدات إطفاء ذاتية، وتدابير استمرارية الأعمال، ما يجعل الحادث “مثيرًا للقلق تقنيًا وأمنيًا”.
وأضاف أن استمرار الحريق لساعات رغم هذه الإجراءات يشير إلى ضعف في الصيانة أو قصور في البنية الأمنية للمبنى (موقع المال).
بدوره، قال الخبير في إدارة الأزمات الدكتور ممدوح الشاذلي إن الحريق يشير إلى افتقار الحكومة لخطة استجابة فعالة في المنشآت الحساسة.
وتساءل في مداخلة مع قناة عربية عن مدى استعداد الدولة للتعامل مع حوادث مماثلة قد تضرب منشآت ذات طابع حيوي آخر، خاصة أن هناك جهات تعتمد اعتمادًا كاملًا على البيانات المخزنة في هذه المراكز.
وأضاف أن المبنى لم يكن مجرد سنترال اتصالات، بل يمثل حلقة وصل رئيسية في منظومة السيطرة المعلوماتية للدولة، ما يجعله أقرب إلى منشأة أمن قومي (قناة الحدث – مداخلة بتاريخ 8 يوليو 2025).
ردود الأفعال الشعبية
ردود الفعل الشعبية على وسائل التواصل الاجتماعي كشفت عن قلق عام من أن تكون هناك شبهة إهمال أو تقصير في تأمين المبنى.
وتساءل كثيرون كيف يُسمح لمبنى بهذا الثقل الاستراتيجي أن يتعرض لحريق بهذا الحجم، دون تدخل سريع ناجع يحد من الخسائر منذ اللحظات الأولى
. وقد ربط البعض بين الحادث وحرائق أخرى متكررة ضربت منشآت حكومية في السنوات الماضية، مطالبين بمراجعة فورية للبنية التحتية وتحديث أنظمة الأمن والسلامة في جميع المرافق العامة، وليس فقط في منشآت الاتصالات (رصد عبر مواقع التواصل – تويتر وفيسبوك).
على الجانب الرسمي، أعلنت وزارة الاتصالات أنها بدأت نقل الخدمات إلى بدائل احتياطية، وأن الخدمة ستُستعاد تدريجيًا، وقد عادت نسبة كبيرة منها بالفعل خلال 48 ساعة.
وأكد الوزير عمرو طلعت أن الدولة ستحقق بشكل عاجل لمعرفة الأسباب الحقيقية للحريق، وتحديد المسؤوليات، مشددًا على أنه “لا توجد خسائر في البيانات” نظرًا لوجود أنظمة نسخ احتياطي مؤمنة بالكامل (المصري اليوم).
أما عن التخوفات المستقبلية، فيشير بعض المتخصصين إلى أن الخطر الحقيقي لا يكمن في الحريق كحدث عارض، بل في دلالاته: ما مدى جهوزية الدولة المصرية لحماية منشآتها الحساسة؟ ما حجم الضرر الذي قد يُحدثه حادث مماثل إذا تكرر في مكان آخر كمبنى الوزارة نفسها، أو في سنترالات أخرى مثل سنترال العتبة؟ هذه الأسئلة لا تزال بلا إجابة قاطعة،
ولكن المؤكد أن الحادث يجب أن يكون نقطة تحول في طريقة إدارة المنشآت الاستراتيجية، وإعادة صياغة مفهوم “الجاهزية المؤسسية” للأزمات (الشرق الأوسط).
البُعد الرمزي للحدث وتأثيره في الوعي العام
من حيث التأثير الرمزي، فإن حريق سنترال رمسيس شكل صدمة قوية، ليس فقط لأن المبنى أحد أبرز معالم القاهرة الإدارية، بل لأنه في الوعي العام يمثل “قلب الاتصالات” في البلاد، ومنشأة طالما ربطها الناس بالبنية السيادية للاتصال والسيطرة الحكومية،
كما أشار إلى ذلك الرئيس الراحل حسني مبارك في تسجيل متداول يؤكد فيه على أهمية هذا النوع من المنشآت في حفظ النظام وربط الدولة ببعضها (فيديو متداول – يوتيوب، قناة مصرية محلية).
وفي المجمل، يعكس الحريق حجم التحديات التي تواجهها الدولة المصرية في الحفاظ على أمن بنيتها التحتية المعلوماتية،
ويدعو لإعادة تقييم جذرية لكل النظم المتعلقة بالتأمين، الإدارة، والتحديث التقني، ليس فقط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بل لخلق منظومة أكثر صلابة ومناعة في وجه أي طارئ أو تهديد محتمل.