شهد المشهد السياسي في موريتانيا حالة ترقّب غير مسبوقة مع اقتراب موعد الجلسة العلنية الحاسمة التي ستعقدها الغرفة الجزائية في المحكمة العليا يوم 7 أغسطس 2025 للفصل في ما يُعرف إعلامياً بـ”ملف العشرية”.
وتتعاظم أهمية هذه الجلسة بحسب تغريدة للباحث الموريتاني المتخصص في الشئون الإفريقية سلطان البان كونها تمثل أعلى فصل قضائي في أكبر ملفات الفساد السياسي التي عرفتها البلاد، وتطال بشكل محوري الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وعدداً من رموز نظامه.
القضاء في امتحان الدولة الديمقراطية
ويشكل موعد 7 أغسطس 2025 منعطفاً مفصلياً لعدة أسباب: أبرزها، ترسيخ مبدأ المساءلة: لأول مرة في تاريخ موريتانيا يُقاد رئيس سابق إلى مواجهة قضائية بهذا الحجم أمام المحكمة الأعلى في البلاد، مما يشكل اختباراً لجدية مؤسسة العدالة في مساءلة رأس السلطة التنفيذية بلا حصانة ولا تمييز.
وقد بلغ الجدل الدائر حول مدى استقلال القضاء عن سلطة التنفيذ ذروته وفقا للبان في الأسابيع الأخيرة، وسط اتهامات بعض أنصار الرئيس السابق بأن الملف “يُدار من خارج أسوار العدالة” ويخضع لتوجيهات سياسية عليا، في حين تصر السلطة الحالية على وصف المسار بأنه قضائي صرف، معلنةً احترامها لمخرجات المحكمة العليا أياً كانت.
الأحكام الصادرة في هذا الملف ستشكل مرجعاً لمستقبل مواجهة الفساد واستعادة الأموال العامة، وقد تهزّ أو تعزز رصيد الثقة الشعبي بمؤسسات الدولة. بصرف النظر عن مضمون القرار المنتظَر، أصبح ملف العشرية عامل إعادة تشكيل للمشهد السياسي، سواء من خلال تقوية معسكر السلطة الحالي أو بمنح رمزية الضحية للرئيس السابق وأنصاره، الذين يعتبرون المحاكمة انتقاماً سياسياً و”انتقائية في العدالة”.
تصاعد استقطاب الشارع
الأطراف السياسية تراقب بقلق مخرجات المحكمة كما يشير الباحث الموريتاني المتخصص في الشئون الإفريقية ، وسط دعوات إلى الاحتكام للروح الديمقراطية وتجنّب التجييش الذي قد يهدد الاستقرار، في ظل تجارب سابقة شهدتها بُلدان مجاورة حين تحولت ملفات مشابهة إلى عناوين للاحتقان والانقسام. المستثمرون والمراقبون يرون أن حسم الملف بطريقة قانونية نزيهة سيبعث برسالة استقرار وثقة في مناخ الأعمال، فيما سيعني العكس تزايد عوامل الضبابية والتردد.
إذا أكدت المحكمة العليا الأحكام السابقة: سيُعتبر ذلك إعلاناً بانتصار منهج الصرامة في مكافحة الفساد وتكريس سيادة القانون على الجميع أما في حال قبلت المحكمة طعون الدفاع وألغت أو خففت الأحكام: سيفسر ذلك من قبل معارضي النظام الحالي كدليل على هشاشة العدالة، فيما سيعتبره أنصار الرئيس السابق تصحيحاً لمسار “سيّسته السلطة التنفيذية”، وهو ما قد يفتح باباً جديداً للتجاذبات السياسية.
وستبقى قضية “ملف العشرية” عنواناً للجدل حول توازن بين العدالة و”عدم الانتقام”، وستتحدد قدرة الفاعلين السياسيين على استيعاب نتائجها ضمن منطق التعايش السلمي والمؤسساتي.
من المهم الإشارة إلي أن موعد 7 أغسطس 2025 أصبح فعلياً “امتحان الدولة الموريتانية” في طريق إحكام آليات مكافحة الفساد وحوكمة السلطة، واختباراً جديًا لقدرة النظام السياسي على فصل السلطات. بين تحديات الإصلاح وخطر الانتكاس، ستكون الساعات القادمة مؤشراً حاسماً على مستقبل العدالة والسياسة في موريتانيا بعد عقدين من التحولات العميقة