المقدمة
إن بناء المجتمعات المزدهرة والمؤسسات الناجحة يبدأ من حسن اختيار الأفراد القادرين على الإبداع والإضافة النوعية. وحيث إن الفروق الفردية بين الناس حقيقة قائمة، فإن اختيار الشخصية المبدعة يجب أن يعتمد على معايير دقيقة ومتكاملة تحفظ للمؤسسة استقرارها وتحقق أهدافها.
في هذا المقال، نستعرض أهم المبادئ التي ينبغي مراعاتها عند اختيار الأفراد، بعيدًا عن العواطف والضغوط، مع التركيز على القيم والكفاءات التي تصنع الفرق.
مبدأ الصلاح والتربية
أولًا، ينبغي النظر إلى الجانب الأخلاقي والتربوي. إن تميز الفرد في الجوانب التربوية والأخلاقية أمر مهم للغاية، بل هو أهم ضابط في هذا المجال. لا يمكن إغفال أثر الأخلاق في نجاح الفرد ونجاح المؤسسة، حيث تُعد الأساس الذي يبنى عليه العمل والإبداع.
مبدأ الكفاءة المهنية
ثانيًا، تأتي أهمية الكفاءة المهنية. لا أعتقد أن عاقلاً يمكن أن يهمل البعد المهني، فالحاجة إلى الكفاءة ضرورة ملحّة، خصوصًا في ظل ما نشهده من تراجع وسقوط حر في هذا الجانب.
لقد أضرّ هذا التراجع بتحقيق أهداف التنمية المستدامة في مختلف المجالات التنموية. فكم من مشروع فشل حين اعتمد فقط على المجاملة دون مراعاة قدرات الأفراد الفنية.
مبدأ القبول الإنساني
ثالثًا، لا بد من الالتفات إلى القبول الإنساني. يهمل بعض الناس جانب القبول والتقبّل، بينما من المهم أن تتوفر علاقات إيجابية بين الشركاء في المشاريع، بما يبعث شعورًا بالرضا والاطمئنان إلى كفاءة الفرد ومواهبه، وهو ما يحقق الراحة والانسجام داخل الفريق.
فقد نجد موظفًا مبدعًا لكنه لا ينسجم مع الفريق، فيسبب توترات تعطل الإنتاجية.
مبدأ العدل في التعامل
رابعًا، يبرز مبدأ العدل كأساس لا غنى عنه. يقال إن العدل أساس الملك، فإذا غاب البعد القيمي للعدل، غابت معه منظومة القيم الإنسانية وتلاشت، ليحل محلها الظلم والحرمان.
ولا شك أن بلايا الأمة تضرب في هذا الجانب تحديدًا، مما يؤثر سلبًا على تقدم المجتمع واستقراره.
مبدأ الذوق الإبداعي
خامسًا وأخيرًا، يظهر مبدأ الذوق الإبداعي كعنصر مكمل في عملية اختيار الشخصية.
قد تتوفر جميع الشروط، ومع ذلك نلاحظ أحيانًا اختلالًا حين تغيب سلوكيات الذوق في التعامل. إذ تسود الغلظة وقسوة المعاملة بدلاً من اللين وحسن التعامل، فتظهر العزلة وتضعف روح الإبداع، ويقل الناتج الإبداعي في بيئة تفتقد الذوق الرفيع.
مثل الموظف الذي يملك المهارات لكنه يفتقد فن التعامل، فينعكس سلوكه سلبًا على بيئة العمل.
الفروقات الفردية
تعد الفروقات الفردية بين البشر مقياسًا أساسيًا للتمييز بين قدرات ومواهب وخبرات ومهارات كل فرد.
وهي وحدها التي تحدد مستوى كل فرد في المنافسة، وتشكل معيارًا موضوعيًا للاختيار، بعيدًا عن العواطف والمجاملات، ومتحررة من الإملاءات والضغوط.
الخاتمة
إن اختيار الشخصية المبدعة عملية معقدة تتطلب وعيًا وتوازنًا بين الأخلاق، والكفاءة، والقبول الإنساني، والعدل، وحسن التعامل.
وإذا اختل ميزان هذه المبادئ، فإن المؤسسة أو المجتمع يدفع الثمن انهيارات وإخفاقات لا تنفع معها الحلول المؤقتة.
لذلك لا بد من الغوص بعمق في دراسة الشخصيات، وتحكيم العقل والقيم معًا، لصناعة مستقبل أكثر استقرارًا وإبداعًا.