حشاني زغيدي يكتب: الانهزام الداخلي
ليس هناك شيء يضعف النفس، يقتل شحنة الحياة الموجبة، يشل حركة الدماء في العروق، يحبس الانطلاق أنفاس السعادة؛ مثل الانهزام الداخلي، حين نرفع الراية معلنين افلاسنا، نشهر كساد مشاريعنا، نرضى بالهزيمة المدمرة لذواتنا.
وما ذاك الانهزام الداخلي سوى صدى الخواطر السلبية، التي احتلت مركز قرارنا، فطوعت سلوكنا؛ فنقبل الانهزام والانكسار، بل نرضى أن يكون مع الخوالف، نكون مع الموتى، وحق لذواتنا أن تتحرر من أسر تلك العادات والنداءات المحبطة للعزائم، القاهرة للنفس.
علينا التحرر من العادات التي ألفناها وتعودنا سماعها، حتى تفك عقدة الإشفاق والخوف على النفس، فقد ألف الكثير الراحة والبطالة، حين أغلقنا أبواب المجاهدة والأخذ بالعزائم، وننسى أن النفس البشرية إنما تروض وتهذب وترتقي بالطاعات والأعمال الصالحة.
وجدت أحسن نموذج عملي لنا نتعلم منه المجاهدة، قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان الأكثر عبادة، فكانت صلاته صلة، وصيامه تزكية وذكره ودعاءه تحلية، كان الأكثر حرصا في خدمة أهله، والأكثر حرصا في رعاية شؤون المسلمين العامة، يوزع الأدوار توزيعا عادلا في إطار شامل، فكان لا يذكر واجبا إلا أقامه على أحسن وجه، يواظب على استمرار يته ومحافظة عليه.
يقول عليه الصلاة والسلام:
(سَدِّدوا وقارِبوا واعلموا أنه لن يُدخِلَ أحدَكم عملُه الجنَّةَ وأنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى الله أدومُها وإن قَلَّ)
الراوي: عائشة أم المؤمنين | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترغيب
الصفحة أو الرقم: 3174 | خلاصة حكم المحدث: صحيح
التخريج: أخرجه البخاري (6464) باختلاف يسير، ومسلم (2818) مطولاً
ومن المعوقات التي يجب التحرر منها، المثبطات والفرامل التي تعطل الحركة، دعاوى لحن يصدره
الفاشلون يزعمون أن المواعيد سبقتنا، وأن أعمارنا تقدمت سكنها الوهن، بدعاوى نحن في مرحلة التقاعد القسري، وهذه دعوة باطلة، ومروجوها يلبسهم غياب البصر والبصيرة، وينسى المخدوعون أن الخير والعمل الصالح لا يحبسنا عنها شاغل، فلا يحبسنا عنه تقدم عمر؛ بل يحبسنا عنها عطالة في الحركة وخور في العزيمة، ويحبسنا عنها انغماس في ملهيات الحياة الخادعة، يحبسنا عنها حرمان و ضياع فرص الإبداع متاحة.
ومن المكبلات الداخلية التي تحرمنا المضي في طريق استباق الخيرات، الجزع والشكوى التي تحول الحياة كابوس قاتل، تصير معه الدنيا مظلمة، تصبح أبواب الانفراج فيها ضيقة، يتحسر لأن في يديه القليل، لأنه يرى المتاح مفقودا، يرى الدنيا بلا قيمة ولا جدوى فيحرم نفسه للاستمتاع من المتاح، فيعيش الحرمان.
ومن المعوقات مرض آخر خطير، لا يقل خطورة من غيره، إنه عائق الجمود والتحجر، مثله كماء راكد لازم الوحل والطمي فتعفن، كونه بلا حراك ولا تجديد، فلا فرق في القياس بين الأمرين، حين تصيب النفس الإهمال والترك، فمتعة الحياة وجمالها في تنوعها الطبيعي، فرفض الإبداع والابتكار يولد القلق والاضطراب وعدم التوازن المطلوب وهو حال المجتمعات المتخلفة.
ومن الأشياء التي تهز النفس و تضعفها قلة الصبر و الاحتساب، فالصبر مدرسة فيها يتعلم المسلم قوة المقاومة والقدرة التغلب على المشكلات العارضة، فالصبر حبس النفس عن الجزع والحيرة والفزع، والصبر به يواجه الأحوال الضاغطة بقوة تحمل، فتتحول النفس الضعيفة المستسلمة لنفس قوية، لها القدرة على مواجهة الضربات، وتحملها، فيقول يقين المرء حين يعلم أن الأمور كلها بأمر الله تعالى . يقول الله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الأنعام:17).
والعجيب أننا حين نقف عند آيات القرآن الكريم التي تسلي أرواحنا بتلك الومضات النورانية، آيات ترسم لنا ملامح المؤمن المستحق للجائزة الربانية يقول عز من قائل: ((وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً)) ((أولئك يجزون الغرفة بما صبروا، ويلقون فيها تحية وسلاماً)) ((سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)).