حشاني زغيدي يكتب: التفكير فريضة و ضرورة إنسانية
إن أجواء الكراهية التي يعيشها العالم اليوم بين مكوناته البشرية، سواء بين مكونات المجتمع الإنساني فيما بينهم، أو الشعوب والأنظمة، ومرد ذلك الانفصام لغياب قبول الآخر؛ كون الجميع سلم أنه فوق النقد، وفوق التمحيص أو المراجعة، مع أن الطبيعة البشرية ترفض مبدأ الإكراه، فالكمال المطلق مستحيل في الطبع البشري، والكرامة الإنسانية ترفض أن يكون الكائن البشري الغير معصوم فوق النقد؛ لأن مدارك العقول متباينة، فإن رؤيتك الحقائق من خلال الزاوية المحددة، وغيرنا يراها من الزاوية الأخرى، لهذا تكون النتائج التفكير متفاوتة مستوى القرب أو البعد عن الرؤى الصحيحة.
لهذا كله ينشأ عن تفكير الأحادي ديكتاتورية وفاشية غير مقبولة، وعليه فكم نحن بحاجة إلى الإيجابية لقبول الآخر، وتلمّس العدر، فتقبل مناقشة أفكاري، وأن أقبل مناقشة أفكارك، والأمر لا يجب أن تفرض أفكارك على الغير، فتجبر الآخر أن يكون على نسق تفكيرك، تحاول حمل الآخر بالجبر، حتى يسلم لك زمام عقله، فيلغي بذلك خصوصيته.
فكونك إنسان حر عليك أن تفكر وتقدر وتوازن وتقارب، وحق الآخر أن يتساءل ويحاجج، ويرد بالدليل، ويقارع بالحجة والبرهان، فالرضا بالإماعية والتسليم الأعمى نقيصة تحط من قدر الإنسان المكرم، الذي يرفض الإكراه والتبعية العمياء كما في الأمثال الشعبية عندنا (اغمض عينيك واتبعني).
إن بسط السيادة على عقول الناس وتفكيرهم أمر مناف لكرامة الإنسان العاقل، المالك لزام تفكيره، فالإنسان مسئول عن اختياره، مسئول عن قناعاته، اعتمادا على القاعدة الأصولية التي تقول: (أن العقل مناطق التكليف) لدى وجب رفع الإكراه على المكلف حتى يكون مسئولا عن نتائج أفعاله.
إذا سلمنا أن التفكير في الإسلام فريضة أو حتى في المواثيق البشرية التي أقرت مبدأ حرية الإنسان.
على الإنسان المكرم ألا يظل كالأسير المقيد بأغلاله، حين نغلق على عقولنا الأبواب التفكير والتفكر والتدبر والتأمل، فبحجب عقولنا ضباب كثيف يمنعه التبصر، حين فنخمل ونتبلد عقولنا.
واختم بهذه اللطيفة للأستاذ الأديب الكبير عباس محمود العقاد في كتابه التفكير فريضة
(شر الناس في الإسلام من يحرم على خلق الله أن يفكروا ويتدبروا بعد أن أمرهم الله بالتفكير والتدبر وأنبأهم بعاقبة الذين لا يفكرون ولا يتدبرون).