لقد اكتشف بعض العباقرة مؤخرًا أن كل شيء في هذا العالم خدعة.
أن الحروب مسرحيات، وأن الأعداء حلفاء، وأن الضربات مجرد تمثيليات تُبَثّ بتقنية عالية الدقة، وأن الضحايا ممثلون… على الأرجح خريجو معهد السينما.
تحليل عبقري فعلًا!
منذ اليوم، إيران صديقة فلسطين “الوهمية”، فقط لا تقولوا هذا أمام بعض الفلسطينيين في غزة.
غزة حليفة إسرائيل، بدليل أنها تُقصف بانتظام، لأنهم متفاهمون في الخفاء، أليس كذلك؟
وأمريكا؟ تمجد الديمقراطية، ولذلك لا تكفّ عن تصديرها بالورود و الشماريخ النارية .
وروسيا، تدافع عن الإنسانية بإفناء المدن، من سوريا إلى ليبيا، مرورًا بأوكرانيا.
الضمير ترف، والمقاوم تاجر، والخائن وطنيٌّ، وهذه ليست مفارقات… هذه المعايير الجديدة.
نعم، كل شيء على ما يرام، فقط رأسًا على عقب.
فلسفة: منطق العبث السياسي
يريدنا بعضهم أن نؤمن أن “كل شيء تمثيلية”،
– القصف تمثيلية
– الدمار تمثيلية
– الجثث تمثيلية
– حتى الأمهات الثكالى لسن إلا “كومبارسًا”
كل شيء مدبّر، ولا شيء حقيقي.
والأذكى بيننا هو من يضحك علينا جميعًا قائلًا:
Ø “يا جماعة افهموا، الحرب خدعة… وهم متفقين!”
هذا الفهم المتذاكي لا يحتاج عقلًا، بل يحتاج مناعة ضد التفكير الحقيقي، لأن الحقيقة تُرهق الدماغ، بينما السخرية السوداء تمنح شعورًا بالتميز الفارغ.
من الصراع إلى الكوميديا السوداء
نحن الآن أمام تحول عجيب في الثقافة السياسية:
الصراع أصبح “ترند” للضحك،
والتحليل أصبح مجرد نظرية مؤامرة ملفوفة بالسخرية،
وكل من يُقتل يُتهم بالخداع،
وكل من يُقاوم يُتّهم بالتنسيق،
وكل من يُصرح يُتّهم بالكذب،
وكل من يطلب الفهم يُقال له: “أنت أبله”.
هذا هو الجنون الجديد، حيث يُجلد الضحية باسم الذكاء السياسي، ويُتهم العاقل بالغباء لأنه لا يرى العالم كلوحة “بانكسي” ملطخة بالسخرية.
خاتمة: فلنصفّق للتحليل الخارق!
شكرًا أيها العبقري، لقد فهمتَ ما لم يفهمه أحد:
الحرب تمثيلية، الشعوب غبية، والعالم كله يدور حول استوديو مغلق تُدار فيه كل الحكايات.
والآن، بعد هذا التحليل، هلّا أخبرتنا: من كتب النص؟ ومن هو المخرج؟ وهل نحن فعلاً كومبارس أم الجمهور؟
أم أنك أيضًا… جزء من الخدعة؟