ونحن نسير في دروب الحياة، نحاول أن ترافقنا المعاني السامية، فنبحر إلى خارج أنفسنا، نحمل الخير المخزون في ذواتنا لنقدمه لذوات الآخرين. إنه معنى عظيم، للأسف يُحرَم منه الأنانيون.
وقد قال الإمام الغزالي رحمه الله:
Ø “التعاون على البر والتقوى هو من أقوى الدعائم التي يقوم عليها المجتمع الصالح”.
كأن الغزالي يريد أن يقول لنا: لا يُبنى الخير إلا بالتشارك، ولا تُصاغ المعاني السامية إلا على يد جماعة متعاونة.
قد نشعر بطعم النجاح، بلذة الفوز الشخصي، وهو أمر لا يُعاب، ولا يُستنكر، ولكنّ انتصارنا الحقيقي على “الأنا” أن نرتقي فوق ذلك كله، أن نتجاوز حدود الذات لنفرح بنجاحات الآخرين. تلك هي السمة القوية لشخصية الناجحين بحق.
وقد أشار إلى هذا المعنى الدكتور طارق السويدان حين قال:
Ø “القيادة الحقيقية هي أن تصنع من حولك قادة، لا أن تتصدر المشهد وحدك”.
ما أجملها من روح، تربي النفس على العطاء والتكافل، لا على الأنانية والانفراد.
قد يرغب البعض في تصدر المشهد، والتمتع بأضواء الشهرة، وعدسات الكاميرات، ولكن الأجمل من كل هذا، أن نُبرز الجمال المخفي، أن نكون نحن صُنّاع الأفراح، لا مجرد مستهلكيها.
وقد ينتصر أحدنا لأفكاره وآرائه، أو يتعصب لمعتقداته، فيحجب بذلك رؤى الآخرين. ولكن المتعة الحقيقية أن نتعلم فن الإصغاء، أن ننصت لوجهات نظر مغايرة. فالقضية لدى العقلاء ليست كسب معركة جدلية، بل في صنع التفاهم، وتقريب مساحات الخلاف، وردم هوة التباعد والاستفادة من التنوع الطبيعي في الاجتهادات.
وهنا نقتبس من الدكتور محمد عمارة – رحمه الله – قوله:
Ø “الاختلاف في الرأي لا يجب أن يُفسد للود قضية، بل هو سُنة في الفكر البشري، وبه تُبنى النهضة”.
فما أحوجنا إلى هذا الفهم الراقي ونحن نبني فرق العمل، ونمارس مهارات التعاون في الميدان.
وفي بعض الأحيان، ننبهر بما أنجزناه من مشاريع إبداعية أو نفعية، وقد يكون لنا فيها جهد وافر، فنفرح بها، وهو شعور طبيعي. لكن يجب ألا ننسى أن هذا النجاح هو ثمرة مجهود جماعي، شارك فيه فريق متكامل، كلٌ بدوره ومهمته.
وقد لخّص هذه الروح الأستاذ عباس السيسي – رحمه الله – حين قال:
Ø “العمل الجماعي مدرسة تربية قبل أن يكون وسيلة إنتاج”.
فالفريق لا يبني المشاريع فحسب، بل يُهذب النفوس، ويصنع القلوب الرحيمة المتعاونة.
ومن أهم الفوائد التي نخرج بها من تجربة العمل ضمن فريق، هو إدراكنا أن المشاريع الجادة لا يبنيها فرد واحد، بل تبنى بعطاءات مجموعة متكاملة. جهود الفريق تُمثل روح الجماعة، وروح التآلف، والمشاركة الإيجابية، والتعاون الذي يذيب الأنا. حينها يشعر الفرد أن جهده امتزج بجهود الآخرين، وأن قيمة الإنجاز تكمن في وحدة هذه الأسرة المتحابة المتعاونة.
عند ذلك، يهون التعب، وتزول المشقة، لأننا نبلغ الأهداف، ونصل إلى الغايات.
خلاصة:
ما كتبته هنا هو خلاصة تجربة مع الآخر، في بيئة العمل، حيث نتعلم فنونًا لا نجدها في مراكز التكوين. وحين نعي هذه الدروس، علينا أن نقتنص فوائدها، ونوظفها لتطوير خبراتنا المهنية، وحتى الحياتية.