حشاني زغيدي يكتب: الفن رسالة نبيلة
يرتبط الفن والجمال مع الإنسان ارتباط الروح بالجسد، لا ينفك عنا ولا ننفك عنه، قد يقول أحدهم هذا قول مجمل يحتاج لتفصيل، فالمؤسف أن البعض يغالي فيه حد التطرف والبعض الآخر يتساهل فيه حد التميع والتفسخ، وهذا شطط كبير.
وقد لخص البيت الشعري الذي يحفظه جميعنا رسالة الفن وغايته
يقول إيليا أبو ماضي:
ومن يعش في الحياة بغير جمال
لا يرى في الوجود شيء جميلا
العجيب، وجدت البعض يعدم ساحة استشعار الحس والجمال، فيضع البيض جميعه في سلة واحدة، والفن تتحكم فيه ضوابط جمالية وأخرى إنسانية واجتماعية وضوابط شرعية وقانونية..
لهذا نجد أن أعمالنا الفنية تترصدها مقصات الرقيب، بسبب مخالفتها قوانين النشر والبث، ولا يشك أحد أن هذا المنتج الفني، يحمل بصمة الإبداع ولكنه لم يراعي فيه البعد القيمي، فلا يحظى بالقبول والتزكية.
لهذا علينا أن ننظر للفن من منظور قيمته الفنية، وآثارها القيمية، فلا نطلق العنان للفن الرخيص، الذي انعدمت فيه روح المجتمع وقيمه وأبعاد أصالته، بدعوى أنه فن وإبداع وأنه يلبي حاجات إشباع النفس، فإذا كان هذا الفن يلبي حاجات نفسية للإنسان، لا نقف عند قدسية رسالته وأبعاد قيمتها في البناء التربوي والاجتماعي الإنساني، فأحسب أن رسالة الفن بهذا المنظور رسالة قاصرة محدودة الأبعاد، مقصورة النظرة في مدلول نفعيتها.
نعم الفن من أهدافه أنه يغدي الروح ويشبع رغبتها الفطرية، يفرغ الشحنات السلبية للإنسان، كما يقوي دافعيته للانطلاق والحركة، كل هذه الحاجيات لا نهملها، لكن كل هذه الحاجيات التي تقبلها الفطرة السليمة ضرورة وحاجة ملحة، ومع هذا تبقى رسالة الفن ترقى لأبعد سامية قيمية.
فالفن رسالة بناء وتحصين ووسيلة تواصل إيجابية مع الذات والمحيط، تتفاعل معه بإيجابية، لعل أصدق وصف أنقله لموريس دي فليمانك يلخص فيه المعنى الحقيقي للفن يقول: «اللوحة الجيدة هي مثل الطبخة الجيدة، يمكن أن تتذوقها، ولكن لا يمكنك شرحها»
كما أن الفن إذا أفرغ من الفائدة، سوف يصبح مادة رخيصة، فسوف يجعل من الآداب والفنون وسيلة هدم مدمرة، يصعب على أصحاب التربية إصلاح ما يفسده الفن الرخيص، لهذا يعد الفنان إنسان صاحب رسالة نبيلة، يكون في المجموعة عنصر لا يستهان بدوره الرسالي والعكس صحيح، لهذا يقول فينسينت فان غوخ:
«الفن وُجد لمواساة أولئك الذين كسرتهم الحياة»
لهذا كله لا يمكن أن يعزل الفنان نفسه في الزوايا الضيقة أو يحجب عن عينه النور وتبصر الحقيقة، فعيش الهروب السلبي، فالفن مادة تحرر من الأسر، فهو وسيلة تغيير سلمية مؤثرة، فيجعل من الصورة والكلمة سواء كانت شعرا أو نثرا أو رواية أو أقصوصة، أو مسرحا جميعها وسائل تصنع الأمل الدافع للحركة، الدافع لليقظة.
يقول فينسينت فان غوخ:
«ابحث عن النور والحريّة، ولا تتعمق في تأمل شر الحياة»
في آخر المقال نؤكد جملة من الرسائل الإيجابية، على الفنان الحقيقي أن يزرع الأمل في النفوس، على الفنان الرسالي نشر الفضيلة بين المجتمع، وعلى الفنان الرسالي أن يجعل من الفن أسلوب حياة راقية تهذب الذوق، فنقبل على الحسن، ونفر من التفسخ أي كان لونه ومصدره، كما يتوجب على الفنان أن يكون ضمير أمته يعيش أفراحهم وأتراحهم، بالمختصر المفيد نحرص أن يكون الفن رسالة إيجابية تعمر وتبني، لا وسيلة تدمر وتهدم.