أقلام حرة

حشاني زغيدي يكتب: بادر ولا تؤجل

حين نمعن النظر في أحوالنا تصيبنا الدهشة والاستغراب، وفرة أفكار، وفرة موارد، طاقات بشرية هائلة، لكن أحوالنا تشكو الكساد، تتراوح مكانها في مواقف الانتظار، تنتظر من يحرك عجلة انطلاقتها الأولى، وبعضنا يرمي عجزه وفشله على الظروف والأحوال، يرمي عجزه على مكبلات خارجية، والتي قد يكون لها تأثيرا استثنائيا، ولكن لا يمكن بحال أن تحد من حركة من يريد الانطلاق، فأي حركة أولى تبدأ حين نقرر تجهيز أنفسنا لبدء العبور، نفعل كما يفعل الرضيع بدء حبوه وأول خطوه، تراه يوظف قدراته الذاتية، وتلك سنة فطرية يتعلمها المرء للعبور في شتى دروب الحياة.

فأي مشروع في حياتنا يبدأ بخطوة، وأي مشروع يبدأ بفكرة، وأي مشروع يبدأ بشد حزام العزم، فأحيانا مشاريعنا يقتلها التأجيل، يقتلها تأخير موعد الانطلاق، ومشاريع النجاح لا تنتظر التأجيل، فالوقت جزء مهم في عملية مشروع التنمية، وتلك الحالة تعمم على كافة مناحي التنمية.

فنجد عشرات مشاريع حياتنا مؤجلة، يصح أن نسميها مشاريع ميتة، ربما تكون مشاريع لها مخططات ودراسات ولكنّها في الأدراج، لم يسجل تاريخ ميلادها على الأرض، ولم توضع حجر الأساس لها، أن مشكلة التنمية تبدأ من النفس، وتبدأ حين يقرر القائد المتحكم تشغيل مكينة الحركة، وتجهيز المركبة للانطلاق في خط السير المرسوم.

لهذا تظل مشاريعنا مؤجلة بسبب غفلتنا وسهونا عن مفاتيح إدارة النجاح، والتي تبدأ غالبا في شكل أفكار وتصورات قابلة للتنفيذ، تحتاج منا أن نسويها على شكل تعليمات كما يفعل الأستاذ في فصله مع تلاميذ يحول الموارد والخبرات على شكل تعليمات إجرائية قابلة للتنفيذ، ومع ذلك تبقى قيادة المبادرة ضرورة ملحة، فلو تأجل فعل استثمار المكتسبات، لا ظلت المعرفة حبرا على ورق، لهذا يعدّ تأجيل التنفيذ مشكلة كبرى وعائق كبير يؤجل عملية انطلاق التنمية.

رغم أهمية المعارف النظرية في حياتنا، إلا أن الخبرة المهنية مهمة، وهي سر النجاح الحقيقي، فالميدان في عملية النجاح، هو الباب الأوسع لصناعة التميز، فالناجحون لم يرسموا مشاريعهم في المسودات، بل حملوها مشاريعهم معهم في مخبر العمل وفي ورشة العمل، وقد قيل إن الذي لا يمرغ أقدامه في الوحل لا يعبر الطريق، والمؤسف أن الكثير يريد العبور في طريق معبدة، في رحلة فنادقها من خمسة نجوم، إن هؤلاء واهمون سيحضنون نجاحهم في المنام، وهي أحلام وردية، أحلام المترفين.

وسوف تظل عملية التنمية مؤجلة إلى حين نتحرر من تكبيل إرادة الانطلاق، ونحرر البادر بالحركة، وأحسبه قرار داخلي يعني الفرد الذي يريد التغيير الإيجابي، الذي يتوجب عليه أن يتحرر من مكبلات التأجيل والتسويف والتنظير، ليحط رحاله على المحك، ينازع المشاريع بالأسباب والعزم والإرادة، يشحن همته بالإيجابية والتفاؤل، يأخذ المثال من الناجحين من رسموا نجاحهم بتعبهم وسهرهم.

وخلاصة القول إن قيادة والمبادرة مهمة إذا استوفت شروطها من الإعداد الجيد والمحكم، وتحديد المهام وآجال الانطلاق والانتهاء وتحديد الفريق الجيد، صاحب الخبرة في الميدان، فإن التأجيل بعد ذلك خطأ فاضح لا تستدرك نتائجه، فالمشاريع مثل عمر الإنسان، لها عمر شباب وكهولة وشيخوخة، فاستثمار مرحلة القوة مهمة جدا في نجاح أي مشروع في حياتنا.

حشاني زغيدي

مدير مدرسة متقاعد، مهتم بالشأن التربوي والدعوي، الجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى