حشاني زغيدي يكتب: حيرة تفرض نفسها
تصينا الدهشة حين نتأمل واقع أمتنا، وحين نتأمل أوضاعها التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، نجد أوضاعها يكسوها مد وجزر، نجد
أوضاعا يصعب فهمها، بل يصعب فك ألغازها، فتلك الأوضاع تحبس. أنفاسنا،
تجعلنا نعيش حيرة تفرض مفروضة، تحتم أن يقف عندها كل مهتم يبحث عن الخلاص، تلقي بظلالها في الساحة لتشغل بال كل مهتم تشغله قضايا أمته.
ربما يسألني أحدهم عن دهشتي واستغرابي؛ وله الحق أن يتساءل ويستغرب.
أقول: تمكن حيرتي حين أرى الموهوب والمبدع محبوس بين الزوايا، حين أرى الموهوب تحجبه الأضواء العاتمة، حين أراه مسروق الوجهة يردم إبداعه ومواهبه في التراب مثل النعامة، يتوارى بين الحجب يسخر من عطاءاته ومواهبه.
وتزيد حيرتي حين أرى المثقف يلعن الظلام، يلبس ثياب الحداد، يندب حظه،
يكثر الشكوى، يعيش العزلة، يختبئ في غرف مظلمة، يهرب من سخريات
الناس، بل يعيف الظهور يفضل الفضاءات المهجورة، عاجزا أن يملأ الفضاء بأسفاره وأفكاره وأشعاره وخواطره، تراه يترك الفضاء للغرباء والدخلاء والمرتزقة، ومكانه المحجوز في المقدمة.
وتستمر حيرتي حين أرى من أستودعه قومه رعاية مصالحها، ليكون خادما
لأمته ووطنه في وظيفة عامة أو خاصة ليرعى شؤون الناس، يرعى مقدرات وطنه، فأراه قد صغرت الأمانة في عينيه، فكان عبدا لشهواته ومصالحه، يبيع ضميره في سوق نخاسة وضيع.
وتبقى الحيرة تشدني حين أرى الشباب وهم ذخيرة الأمة وعماد مستقبلها ونهضتها، يتوسد
العتب، يعيش البطالة، مصروف القصد والوجهة عن السير في المناكب، والشباب طاقة خلاقة وجب
صرفها للبناء لأعلاء شأن الوطن والأمة والمجتمع، لا أن بكون معول هدم وألة تفتيت، يجني حصادها الأعداء وأعداء أمتنا كثر.
وتظل الحيرة مستمرة لا تتوقف تحتاج منا فك شفراتها، تحتاج منا حل ألغازها، تحملنا ألا نغض الطرف عنها لنتجاوزها بالقفز والهروب، والحيرة تساؤلات وجيهة تفرض نفسها لكل مهتم وغيور، يقرأ الرؤى ليفتح الأفاق للنظر لواقع يسوغه الوعي
بقضايا الأمة ومصالحها الحيوية، فالمواطن الصالح هو الذي يعيش واقع أمته
حلوه ومره، يساهم بأفكاره وجهده ومبتغاه الوحيد عبور طريق السلامة لبر الأمان.