حشاني زغيدي يكتب: دربت نفسي

يبحث المرء عن الملاذ الآمن، حيث تستقر نفوس وتهدأ، لا تعجب أن يبحث أمثالي عن لحظات السكون وراحة البال في الخلوات، لا تعجب أن يبحث أمثالي عن لحظات صافية بعيدا عن الضوضاء، بعيدا عن الصخب، أمنّي نفسي أن تعيش في الخفاء، فأفضل اعتزال الأضواء.
هي خواطر ترافق أمثالي صباح مساء، إني أصبحت لا أطيق الظهور في الواجهات، وفقد عشت أحمل الأثقال، بل أسامر وهج حر الصيف في المعصرة، كنت أفتقي سنن من ساروا قبلي، أتابع رسم سير من مضوا خلفي، لا يهزني بكاء الكائنات في المعازي، وطنت نفسي ألا تسرق عيني ملذات أطباق الخوان في الولائم، عودت نفسي الصوم في الصغر، كي لا يقال أغيثوا ملهوفا يقتله الجوع في الحضر، عودت نفسي أن تعف حين ينتشر الفوم في الحصر.
دربت نفسي أن نختفي حين تسرق الأضواء بعض أصناف البشر، دربت نفسي أن تسير أوقات الخطر، ليس طيشا في البراري سوى أني أعيف عيش الحفر، وطنت نفسي أن سحر الحياة أن تشمر الأيادي في العطاء، وأن يبدل المخلصون الجهد في الخفاء.
وقد عشت بين القوم لا تسحرني البهارج والأضواء قد عشت أفراحها ترافقني كظلي باسم الثغر، أسير بين الجموع واثق الخطو، يفك الأغلال والقيود يدرب النفس، يعيش لحيا كريم النفس، يرفض الفتات والبقشيش، يسحره جمال الحس وجمال الروح، ليقال عاش بين الناس كريما، ومات يرقب الخير المعلق في السماء.
دربت نفسي أن أصمت عند ما يتكلم العوام والرويبضاء في الملاهي، عودت نفسي فن الصمت حين ينطق من كان يمارس القمار وفن اللهو الخفي، أن أقضي وقتي وحيدا أرتل تعاويدي وأذكاري صباح مساء.