حشاني زغيدي يكتب: قصة الضبع المتوحش
في غابة جميلة، كثيفة الأشجار، يغطيها بساط عشب أخضر، ماؤها عذب زلال، نسيمها منعش، كانت الغابة مزهوة بجمال طبيعتها، يأهلها سكان طيبون، تمازجت أعراقهم في طيف ألوان طبيعة المكان، فعاشوا في أمن وأمان.
مرت الأيام والسنون والغابة تعيش زهو أيامها، تعيش أفراحها، حتى حلّ بالغابة ضبع كاسر، بل حيوان متوحش، حيوان غريب الأطوار، اختزلت في أوصافه كل صفات القذارة في أشبع صفاتها، فعيونه غادرة لا تعرف أصول الأمانة، قانونه يخالف أعراف السلم وقوانين الأمان، تراه يضرب بأعرافها عرض الحائط، الغريب أنه ليس أقوى الحيوانات ولا أشجعها، إن قاتل فلا يقاتل إلا في بيت ذو حصون ومنعة، خالف شجاعة الأسد، وخالف وفاء الكلاب، بل هو ضبع ينبش القبور، يغدر بفريسته.
شعر سكان الغابة بالخوف والدعر من هذا الدخيل الغير مألوف، شعروا أن لا آمان لهم في الغابة بعد أن حلّ الخراب، وعم الخوف، وانتشر قتل الغيلة، فالضبع المتوحش يفرض قانونه الهمجي غير مهتم بشريعة الغابة الآمنة، فقانونه يأكل الأخضر واليابس.
نادى أحرار الغابة جيرانهم وطلبوا منهم مساعدتهم لحماية آمن الغابة، ودحر المعتدي الغدار، كي يحلّ السلام ويعم الأمان، رغم هذا الصراح والاستجداء والمناشدة، ظل الضبع المتوحش، يفرض قانونه، يستعدي في الأرض فسادا، لا أحد يلجم جبروته وعدوانه.
هنا قرر أحرار الغابة حين أدركوا أن الضبع المتوحش لا يتغير ولا يهتم للمواثيق والعهود، وهم يرونه يمضي يصم آذانه، يغمض عينيه، لا يصغي لصراخ ضعيف أو قاصر أو مريض، فجميعهم في قانونه لحومهم مستحلة مباحة. حينها أدرك سكان الغابة أن قانون البقاء يستلزم إيقاف هذا المعتدي وكفّ يديه؛ دفاعا عن الغابة الأمنة، ولا يتحقق هذا المطلب المشروع إلا حين تهون الأشياء والمتع والأرواح في سبيل أن تحمى كرامة ساكنة الغابة، وحين تصان أعراضهم، وإلا حلّ الخراب.