أقلام حرة

حشاني زغيدي يكتب: كيف نقوي روابطنا الاجتماعية؟

في الكثير ندعي أننا نعرف الناس ونعرف طباعهم؛ وما ذلك التعارف سوى مجرد لقاء عابر، أو لقاء برتوكولي، والتعارف الحقيقي شيء آخر غير لقاءات المجاملات، قد يصدق وصف ذلك التعارف، تعارف للمخطوبين، فالجميع يتزين بألوان هلامية، يفضحها أول لقاء محكي، وأن أصدق علاقة بين الشريكين، تبدأ مع يوميات الزواج، والعيش في كنف البيت الواحد، ومع تقاسم الأعباء، حينها فقط تظهر لنا حقيقة تلك العلاقة. فأحكامنا القبلية في التعارف غير مؤسسة، ولا تستند لركائز التعارف الحقيقي.

فإن أصدق العلاقات هي التي تنشأ من خلال تبادل المصالح، وتبادل الخدمات، فالتاجر أعرف الناس بطبائع الناس، فهو يميز الوفي من الغذّار، يعرف المماطل من الحريص، لأن حكمه في العلاقة مبني على معاملات واقعية.

يفرض أن هذه العلاقات الاجتماعية تحكمها دعائم وأركان تسندها:

أولها: أن يكون تعارف يتجاوز الأسماء والألقاب، تعارف تكون فيه صفحة أحوالنا الشخصية غير غامضة التفاصيل، فيعرف أحدنا طبائع المرء الذي اخترنا أن نصاحبه، فنعرفه في الرضا والغضب، نعرفه في ضيقه وأوقات فرحه.

ثانيها: أن يبنى على التفاهم بين طرفي هذه العلاقة، حيث يسود بين الطرفين احترام متبادل، تتناغم فيه وجهات النظر دون أن يكون لأحد الأطراف السيطرة والتحكم واحتكار وجهات النظر، فلا يكون الاختلاف في وجهات النظر دافعا للفرقة أو الخصومة، وقد وجدنا الكثير من الروابط تنفك وتفصل لأتفه الأسباب، لأنها علاقات غير محصنة، وقد حفظنا أجمل الأمثال الشعبية التي صاغتها التجربة الإنسانية (إن لم تكن معي فأنت أخي).

ثالثها: أن يبنى على التكافل، وهو أقوى الوسائل الداعمة، في الروابط التي يوثق عقدها بقوة، نجدها يغذيها بعد اجتماعي تكافلي، مبني على التعاون والمشاركة في الخدمات الحياتية، كالمشاركة في الأفراح و الأتراح، والنوائب والملمات، فلندخل السرور والبهجة مع من تقاسمنا معه هذه الرابطة الإنسانية أو الإيمانية، التي تحمل معانيها هذه الأبيات الشعرية الراقية في مضمونها:

صديقك الحق من كان معك.

ومن يضر نفسه لينفعك.

ومن إذا ريب الزمان صدعك.

شتت فيك شمله ليجمعك

لهذا ليس من المعقول أن نقول بلسان الحال هذا صديقي وهذا صاحبي، هذا نعرفه أعز المعرفة

وما هذا التعارف وهذه الصحبة إلا معرفة عابرة سطحية، لا يحق أن تبنى عليها أحكام الصحبة والصداقة

جاء في الخبر ذكره بمعناه الحكيم الترمذي في أدب النفس فقال: وما جاء عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ حدثنا بذلك صالح بن محمد، قال: حدثنا القاسم العمري، عن عاصم بن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه:

(أن رجلًا أثنى على رجل عند عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال: صحبته في سفر؟ فقال: لا، قال: فأتمنى على شيء؟ قال: لا، قال: ويحك! لعلك رأيته يخفض ويرفع في المسجد).

حشاني زغيدي

مدير مدرسة متقاعد، مهتم بالشأن التربوي والدعوي، الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى