حشاني زغيدي يكتب: لا عبادة دون إخلاص أو عمل صالح

للصيام مقاصد معلومة:
إن من أخطر شيء في عبادة الصيام حين يحيد الصائم عن الهدف المرسوم، حين يفوته تحصيل مقاصده أو تحقيق أهدافه، فللصيام مقاصد معلومة حددت معالمها الشريعة في نصوص محكمة.
قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]
وقد بينت السنة المطهرة ذلك في الحديث الصحيح عند أحمد وغيره عَنْ أَبِي هرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («ربَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجوعُ وَالْعَطَشُ، وَربَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ»)
من الخسارة أن يتحمل الصائم مشاق الجوع والعطش وفي النهاية يذهب فضل الصيام إما بانحراف عن القصد والتوجه أو بسبب سقوط في وحل المعاصي المحرمة التي تفسد الصيام.
الإخلاص والعمل الصالح ثمرة الصيام:
إن جوهر العبادة أن يتحقق الجمال الروحي الموسوم بالإخلاص، المزين بالأعمال الصالحة،
فحين تفرغ العبادة من الركنين أساسين؛
الإخلاص والعمل الصالح، ففي فقدانهما تذهب ثمرة العبادة، تصبح بلا قيمة ترجى وبلا أجر يكسب.
وقد وجدت في الحديث الشريف تصويرا رائعا لمفهوم الإخلاص
يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-:
“اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء، الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يُعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة”
رواه الحاكم.
يقول الفضيل بن عياض: “ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يُعافيك الله منهما”.
ويقول الجنيد: “الإخلاص سرٌّ بين الله وبين العبد، لا يعلمه مَلَكٌ فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله”.
وقال سليمان: طوبى لمن صحَّت له خطوةٌ واحدةٌ لا يريد بها إلا الله تعالى.
وقال يعقوب المكفوف: المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته.
كن حريصا على صحة صيامك:
وفي هذا السياق علينا أن نقف وقفة تبصر، فالصائم الذي يريد الأجر والتواب، والصائم الحريص على صيامه،
فإن كان تاجرا راقب أعماله وحصنها من الغش والتطفيف في الكيل أو الاحتكار أو إشعال السلع بلهب أسعارها.
وَإن كان موظفا راع حق وظيفته بإتقان العمل والمحافظة على وقته في غير كسل أو تماطل.
وإِن كان من أهل البر والصدقة فلا يتبع صدقته بالمن والأذى، سواء كان بالتشهير بالفقراء والمساكين والمحتاجين فهي صدقة لوجهه الكريم،
أما أن يمتهن إذلال المحتاج بتلك الصدقة، يبغي من خلالها رفع الذكر وتحصيل أغراض مشبوهة،
فهي صدقة لا يرجى بها وجه الله تعالى، فالذي يريد الأجر يبتغي الأجر والمثوبة من الله تعالى وحده.
وإنْ كان في حييه راع حرمة الجيرة وأوفى حقها وشروطها وآدابها وأظهر من الأخلاق الفاضلة في معاملته تأس بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم..
يقول الدكتور النابلسي حديثا مفيدا عن الإخلاص يقول:
{في الغالب الإنسان إذا عمل عملاً لا يبتغي به وجه الله، يبحث عن مكافأة مادية، أو عن ذكر طيب،
فإذا عمل عملاً، والناس لم يتكلموا عن عمله يستثيرهم، كيف وجدتم هذا العمل؟
من أجل أن يمدحونه، فهو عبد المديح؛ إما مكافأة مادية، أو مديح معنوي، أما لا مكافأة، ولا مديح،
فمعنى ذلك أنك تبتغي وجه الله} يقول الله تعالى:
﴿إِنَّمَا نطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شكُوراً﴾ [سورة الإنسان الآية: 9]
الصائم الحريص على صحة صيامه يتجنب كل فعل يذهب أثر الصيام، فالغضب والمراء والجدال والمخاصمة والغيبة والنميمة، والكذب،
وأخذ حقوق الناس بالباطل، كل تلك من الأفعال التي تحرم الصائم الأجر وتضعف مقاصده.
جاء في الحديث الصحيح عند البخاري: (من لم يدع قول الزُّور والعمل به والجهل، فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه).
إن الحيد عن مقاصد العبادة يولد اختلالات نلمس أثره بشكل واضح في سلوك الفرد والجماعة
وهو ميزان ترشيح يعكس مليح النتائج إيجابا وسلبا لتعاملات حياتنا اليومية،
فلا قيمة لعبادة أفرغت من مقاصدها، فأخلاقنا عنوان كببر لحسن عبادتنا، وسيرنا في ركب الخير والصلاح دليل بارز نبل مقصد عبادتنا.