أقلام حرة

حشاني زغيدي يكتب: مهارة لباقة الحديث

من لباقة المجاملات فن التعامل مع الغير، بلباقة الحديث ومراعاة المقام والمناسبة، فليس من الذوق توظيف الكلام السوقي أو المزاح الثقيل، أو تبطين الإهانة بأسلوب المدح، فجميعها ليست من الذوقيات التي نكسب من خلالها القلوب، أو بها نعزز توثيق الروابط.

فأحيانا تقطع مودة أو تكدر صفو علاقة بهفوة لسان غير محسوبة، ظنا منا أن تلك السقطات من الهنات الصغيرة التي نألفها جميعا في مجالسنا أو أنديتنا أو أماكن عملنا أو في اللقاءات العارضة، فنجريها على لساننا مع من لا يعرف طباعنا، كأن نعامل الرجل الرزين بخفة طباعنا؛ فيحصل الخصام والشروخ، يصعب مداواته وعلاجه كل ذلك بكلمة لم نزنها، ولم نحسب لها، لأن طباع من مازحناه لا تقبل مثل هذه التصرفات.

والبعض الآخر يتعمد أن يعامل الناس في الفضاءات العامة، التي يفرض أن يراعى فيها لباقة المعاملة؛ يتحلى فيها بشيء من الرزانة، فلا يحسب ما يخرج من فمه، فقد تكون تلك الكلمات تنمرا لفظيا يترك آثارا سيئة، في نفس من تعرض للتهكم أو السخرية، بحسن ظن أو مكر متعمد، ولو كانت دردشة أو تنفيس أو مباسطة، ولكن طريق وصولها للمتلقي تترك آثارا عكسية.

وهذا التنمر الكلامي نجده في المدرسة قد يوظف المربي مع تلاميذه دون قصد، فيسمي التلميذ اسم حيوان، أو ينعته بصفة ذميمة، وتؤثر سلبا على شخصية التلميذ، فيميل التلميذ إلى الانطواء والعزلة، أو تؤثر على مستواه التحصيلي، وذلك بسوء المعاملة، فيصاب التلميذ بأمراض نفسية يصعب علاجها، يحصل كل ذلك بحماقات غير محسوبة، يكون فيها التلميذ هو الضحية.

من هذا المنطلق علينا ألا نقلل من أهمية امتلاك لباقة الحديث، وامتلاك مهاراتها، فيحسن بنا أن نتخير من طيب الكلام وأجمله، ومختار لكل مناسبة ومقام أسلوبه، فنخص الصغير أسلوب التعزيز الذي يقوي شخصيته، ونتخير مع صاحب المقام و المكانة الكلام الذي يليق بمقامه، ومع المقصر الكلام الذي يعالج تقصيره دون النيل من كرامته النفسية، المربي يقوم الخطأ لا المخطئ، علينا معرفة مسار الكلمة وطريقها، فنعرف الهدف المرجو من توظيف الكلمة لتحقق أهدافها، نراعي الأثر الطيب الذي تصيبه هذه الكلمة، فتصدق قلبا وتزرع حبا، تداوي حرجا.

في ختام المقال أن الكلمة رسالة بليغة لها أثرها التربوي، فالكلمة الطيبة صدقة، والكلمة الطيبة تدفع الأذى، وبالكلمة نهدي بها ضالا، ومن خلالها ننبه غافلا، وبها نقوم عيبا، ومن خلال نسكن فتنة.

لنجعل من كلماتنا مفتاحًا للخير، مفتاحا للسعادة، نجعلها طريقا نصلح به حياتنا، نشم عبيرها الفواح فنجيب النداء السماوي {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83].

حشاني زغيدي

مدير مدرسة متقاعد، مهتم بالشأن التربوي والدعوي، الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights