أقلام حرة

حشاني زغيدي يكتب: نفحات أخوية

اجتمعنا على غير ميعاد، ودون سابق معرفة، جمعتنا كراسي الدراسة، وحلق العلم، فكنا نرتشي كؤوسها، فنحلي نفوسنا من معين التربية الصافي، أذكر أننا كنا نتمثل هذا البيت من الشعر:

هيا نزكي أنفسنا هيا بالصوم نزكيها

فكنا نحمل أنفسنا على التربية العملية، لأن ثمار العلم، العمل به، فكنا لا نتجاوز ما حفظناه في حلق العلم تطبيقا لتلك القاعدة الدعوية؛ اِفهم، واعمل، فكنا نسابق الزمن في حركة و نشاط، فكانت ثمرةُ تلك الصحوةُ المباركةُ تحصيل تلك المنحة الربانية، التي لا تشترى بالمال، إنها نعمةُ الأخوةُ فِي الله .

نحسبها خير منحة يحصل المرء عليها في حياته، فهي خير معين للعبد على طاعة الله، فبتلك النعمة تقاسمنا أعباء الطريق، وحمل مشاق التكاليف، فالمرء بإخوانه.

فكنا نتغنى بها، نردد مع الشعراء

أُخُوَّةُ الدِّينِ يَا قَوْمِ تُنَادِينَا

 لِكَيْ نَنَالَ بِهَا عِزًّا وَتمْكِينَا

فكنا نراها تلك الدفقة التي تبعث النشاط، وتلك العاطفة التي تبعث الحب والحنان، فكانت الأخوة كنسمة طيبة، هبت في الصباح، ترسل خيوطها هواء صافيا.

فكنا نرى في أخوتنا سحر حياة تنير الدرب، فينشرح القلب الواعي، فيقبل على الخير.

لقد كنا نرى في الأخوة ما لا نراه اليوم، فقد كنا نعيش تلك الأفراح التي استقيناها من رصيد تربوي مستمد من أصل المدرسة النبوية .

قال صلى الله عليه وسلم: «سبعة يُظلُّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه». منهم «… ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه».. وقال صلى الله عليه وسلم: «إن رجلاً زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك من نعمة تَرُبُّها عليه؟ قال: لا، غير أنني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك أخبرك بأن الله قد أحبَّك كما أحببْتَه فيه».

فكان الحب والإيثار والنصرة، والتعاضد والتعاون، والنصح والتغافر سمة تلك المرحلة الرائعة .

إن الأخوة التي تشربانها كانت تسعد الروح فننهل من نفحات كلام ربنا و أحاديث نبينا، فنأخذ الفهم الصحيح.

يقول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71].

 يقول الرسول صلى الله علبه و سلم : ((إِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ)). (أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم) و((الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا)) (متفق عليه).

وهكذا يجب أن نكون. و كذلك كنا .

 فقد وجدت في الشعر أبياتا تلخص هذه المعاني سمات تلك المرحلة التي عشنا أفراحها بين إخواننا.

أخي أنت لي دفقة من حنان

أخي أنت لي نسمة من أمان

وآمال قلبي ومشعل دربي

وأنت ضياء المدى والزمان

قرأت بوجهك معنى الحياة

ومعنى القيامة بعد الممات

فرُحت أرفرف في الكائنات

ملاكاً بهي الشذى والسمات

أخي من صفائك أجني الوفاء

ومن عزماتك أجني الإباء

وأهتف كالنسر إن الولاء

ولاء الأبيِّ لرب السماء

 وما رسخ في تربيتنا هذا المعنى العميق أن أعلى مراتب الاخوة «لإيثار» وأقلها مرتبة «سلامة الصدر».. فلنحرص على سلامة صدرورنا من نوازع الشر، فالأخوة دين، نتقرب بها إلى ربنا سبحانه و تعالى.

حشاني زغيدي

مدير مدرسة متقاعد، مهتم بالشأن التربوي والدعوي، الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى