حشاني زغيدي يكتب: نكران الجميل
من عادتي في كتاباتي أن أركز على الأبعاد الجمالية في الأخلاق والسلوك، ولكن أحيانا تشدني مواقف حياتية لها انعكاسات سلبية، فأحاول كذاك الصحابي الجليل الذي كان يسأل عن الشر مخافة أن يدركه.
من السلوكيات المرفوضة في الأخلاق والذوق نكران الجميل.
فليس من الأخلاق والذوق الحسن غض يد امتدت لخدمتك يوما ما، ليس انتظار تسديد الجزاء، ولكنه حسّ أدبي راقٍ، أن نقول للمحسن أحسنت، جزاك الله خيرا، إن عجزنا ردّ المعروف المسدى، كي يطيب به خاطر المحسن، وهي لا تخرج من سلوكيات المعاملة الراقية.
إن النكران يولد جرحا خفيا في نفس الإنسان، فالخير عند المنصفين يعود لأصحابه، في شكل باقات ورود روحية.
ولعل أقبح صور ذلك النكران، أن لا نرد إحسان المنعم سبحانه وتعالى، فنقابل النعم بالنكران والجحود وإتيان المعاصي. والمعاصي تخدش الإيمان، فتترك فيه بقعا سوداء.
ومن صور النكران خيانة العشرة، وهدم بنائها، وتعكير صفوها، تمضي الحسنات في السحاب، كأن آثارها ماضية منقوضة، وعهودها ملغية.
وقد وجدت من موروثنا كلمات تهز القلوب، سجلها الأجداد في أمثال محفوظة.
ناكر الجميل يصفه المثل (يأكل الغلة، و يسب الملة).
بل يشبّه كالكلب الغدّار، (يعضّ اليد التي امتدّت إليه)
بل يسجّل لها الأجداد وسام شرف حين يرسمون من صور الوفاء أمثالا (الذي تأكل ملحه، ما تخونه). فالأجداد يعدون ناكر الجميل مثل الخائن الغدّار.
ومن صور نكران الجميل، قلب الظّهر لمسدي النصيحة، كالسّارق يسرق المتاع ويختفي.
وطبع الحرّ يرعى الوفاء، ويصون العهد، يعدّد حسنات الناس، يردّ المعروف بالإحسان.
قد يظنّ ناكر الجميل أن أحواله مستورة، لكن فعله مفضوح، يشم الفاضل رائحته ولا يفضحها، لنبل أخلاق الكبار، يرى العيب فيستره.
ويعلمنا حبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم، يعلمنا أدب الذوق وحسن المعاملة.
يقول عليه الصلاة والسلام: في الحديث الصحيح (من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه؛ فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه).