(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (82- المائدة)
من بين الكتب التي أثارت ضجة هائلة في القرن العشرين، يبرز كتاب “الخطر اليهودي – بروتوكولات حكماء صهيون”، الذي ترجمه إلى العربية محمد خليفة التونسي سنة 1951.
وُصف بأنه أخطر كتاب في العالم، لأنه يكشف – حسبما رُوِّج له – مخططات سرية لزعماء اليهود للسيطرة على العالم بالمال والإعلام والسياسة.
لكن الدراسات الأكاديمية تؤكد أنه ليس سوى تزوير سياسي صيغ في روسيا القيصرية مطلع القرن العشرين، واقتبس نصوصًا كاملة من كتيّب فرنسي ساخر صدر عام 1864 بعنوان “حوار في الجحيم بين مكيافيللي ومونتسكيو”.
ومع ذلك، فقد كان لهذا النص تأثير هائل، إذ تحوّل إلى رمز لأدبيات “المؤامرة” وأداة دعائية استُغلت سياسياً وثقافياً لعقود طويلة.
ملخص البروتوكولات الأربعة والعشرين
1- الفوضى وسقوط الأنظمة
خلق أزمات أخلاقية وسياسية ليدفع الشعوب لقبول “المنقذ”.
2- المال والدَّين
استخدام القروض العامة لإخضاع الحكومات وربطها بالبنوك.
3- خداع الديمقراطية
اعتبار الديمقراطية ستاراً هشّاً يمكن التحكم به عبر المال والإعلام.
4- إنهاك الشعوب
إغراق الناس في الضرائب وغلاء المعيشة حتى يفقدوا طاقة المقاومة.
5- الصحافة كسلاح
السيطرة على الجرائد والمجلات باعتبارها القوة الكبرى في تشكيل العقول.
6- الحرب الاقتصادية
استخدام الاحتكارات والأزمات المالية لإسقاط الدول المنافسة.
7- إذكاء الصراعات الداخلية
تفجير الخلافات الطبقية والقومية لإضعاف المجتمعات.
8- اختراق التشريعات
تمرير قوانين تحدّ من الحريات وتوسع سلطة الرقابة.
9- التعليم والفكر
توجيه المناهج والفنون بما يخدم “الرواية الرسمية”.
10- شرعنة القمع
استخدام ذريعة الأمن للاستبداد وتعزيز السلطة.
11- الدبلوماسية المزدوجة
المراوحة بين الرشوة والتحالف والابتزاز.
12- احتكار المنابر الإعلامية
التحكم في دور النشر ومصادر الأخبار.
13- صناعة نخب تابعة
إيجاد وجوه عامة ومثقفين يرددون خطاب السيطرة.
14- تسييس الدين
استخدام الدين أداة سياسية أو إضعافه عند الحاجة.
15- التنظيمات السرية
إدارة جمعيات ومنظمات واجهة كأذرع نفوذ (مثل الماسونية).
16- الهندسة الثقافية
التلاعب بالهوية الوطنية واللغة والرموز الجماعية.
17- السيطرة على الذهب والمصارف
جعل الدول رهينة النظام المالي العالمي.
18- الانقلابات والثورات
دعم الحركات التي تنتج أنظمة أضعف وأسهل اختراقاً.
19- العدالة تحت السيطرة
إخضاع القضاء وتسييس أحكامه.
20- البيروقراطية المُشلَّة
تضخيم الجهاز الإداري لإغراق الدولة في الروتين.
21- العنف المُقنن
استخدام القوة المفرطة إذا اقتضت المصلحة.
22- الملكية العالمية
التمهيد لحكومة مركزية يقودها “ملك داودي”.
23- الحكم فوق القانون
إعطاء “الحكماء” سلطة مطلقة بلا رقابة.
24- إعلان النظام الجديد
الخاتمة: تثبيت الحكم العالمي المركزي وتذويب السلطات فيه.
هذه الأفكار تمثل مضمون البروتوكولات، حسب الشائع،
تأثير الكتاب
في أوروبا: استُخدم في روسيا ضد المعارضين، ثم صار سلاحاً في الدعاية النازية لإذكاء الكراهية.
في العالم العربي: رُوِّج له بعد ترجمته في 1951م، وأصبح مادة في الخطاب السياسي المناهض للصهيونية.
لكنه في العقود الأخيرة تعرّض لنقد شديد من مفكرين عرب أثبتوا زيفه وخطورته على الوعي الجمعي.
في الإعلام الحديث: تحوّل إلى نموذج كلاسيكي لكيفية صناعة الأخبار الزائفة وتوظيفها سياسياً.
الكتب العربية التي عارضته
أبرزها:
عبد الوهاب المسيري – “البروتوكولات واليهودية والصهيونية” (دار الشروق، 2003): أثبت بالأدلة أن البروتوكولات تزوير، وأن الاعتماد عليها يُضعف الحجة العربية، إذ يحوّل القضية الفلسطينية من استعمار واحتلال إلى أسطورة مؤامرة.
مقالات ودراسات نقدية في مجلة الدراسات الفلسطينية (2004) عرضت أوجه التزوير والتناقضات النصية.
قراءات نقدية أخرى أبرزت كيف استُخدم الكتاب لإشغال الشعوب بالأساطير بدلاً من التحليل الواقعي للمشروع الصهيوني.
هل ما زال مهماً اليوم؟
أكاديمياً: نعم، كوثيقة لدراسة كيف تُصنع النصوص المزورة وتنتشر.
سياسياً: لا يُعوَّل عليه لفهم الصهيونية أو السياسة العالمية، بل يُضرّ بالقضية الفلسطينية لأنه يغذّي خطاب الكراهية.
ثقافياً: يظل درساً بليغاً في ضرورة القراءة النقدية ومواجهة خطاب المؤامرة بالتحليل العلمي.
البروتوكولات
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في كتابه (البروتوكولات واليهودية والصهيونية):
(نشرت البروتوكولات عام 1905 ضمن كتاب لمسيحي أرثوذكسي متطرف هو سيرجي نيلوس، وقيل إنها محاضر اجتماعات المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بال بسويسرا عام 1897 برئاسة تيودور هرتزل. وقد لاقت البروتوكولات رواجا كبيرا في أوروبا، ثم انتشرت في الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية وقيام دولة إسرائيل.
والرأي السائد في الأوساط العلمية أن البروتوكولات وثيقة مزورة استفاد كاتبها من كتاب فرنسي نشر في القرن التاسع عشر بعنوان “حوار في الجحيم بين مكيافيلي ومونتسيكو”، وتبدي مراجعة الكتابين أنه جرت اقتباسات حرفية من الكتاب ووضعت في البروتوكولات. وقد نشرت البروتوكولات على أنها كتبت باللغة الروسية، فلماذا لم تكتب بالآرامية أو اليديشية لغة اليهود؟
ويربط كاتب البروتوكولات المدافع عن القيصرية الروسية المتداعية بين كل الأفكار التقدمية والثورية الحديثة التي يكرهها وبين المؤامرة اليهودية، فاليهود بعد سيطرتهم على المال والإعلام اخترعوا قيم الحرية والمساواة ليؤلبوا الشعوب على ملوكهم، وهذا قول بالغ السذاجة فهذه القيم بشرت بها الأديان السماوية منذ عشرات القرون.
وتسوق البروتوكولات على أنها مخطط عام يشرحه رئيس الحكماء، ولكنها في الوقت نفسه عريضة اتهام موجهة للذات، وكيف يصف رئيس حركة نفسه وفريقه وحركته بأنهم يقودون الأمم من فشل إلى فشل، ويقول عن جماعته وعن نفسه “إننا لنا شره لا يشبع، ونقمة لا ترحم، ومصدر إرهاب”. ثم يخبر الرئيس فريقه بأعمالهم الشريرة المعروفة لديهم والتي يطبقونها، فما الهدف من هذا العرض البديهي (كما يفترض) لأناس متمرسين على هذا العمل؟
ولكن إذا كانت البروتوكولات بهذه البلاهة فلماذا لقيت رواجا كبيرا في الغرب ثم في الوطن العربي؟
إن الرؤية المسيحية لليهودي تشجع على قبول هذه الاتهامات لليهود، فهم في الوجدان المسيحي رمز الشر الذين قتلوا المسيح وصلبوه، وربما تعبر البروتوكولات على نحو ما عن أزمة الأوروبي في نهاية القرن التاسع عشر بعد تزايد معدلات العلمنة والتصنيع وتفكك المجتمع التقليدي، وربما دفع ذلك الغرب إلى تبني نموذج تفسيري بسيط اختزالي.
وفي الوطن العربي فإن انتشار البروتوكولات يعود ربما إلى تفسير المد الاستعماري الذي جاء إلى بلاد العرب ويحمل معه اليهود، ولتفسير الهزائم التي لحقت بالعرب على يد مجموعات يهودية كانت توصف بأنها من شذاذ الآفاق، ولتفسير السلوك المتناقض وغير العقلاني للغرب العقلاني الديمقراطي.
البروتوكولات والعنف
من الأدلة الأخرى على أن الوثيقة روسية وأن صاحبها نسبها إلى اليهود أنه لا يعرف شيئا عن العقيدة اليهودية، فلم يشر مرة واحدة إلى أي من الطقوس أو الأعياد اليهودية، ولم يستخدم كلمة عبرية أو آرامية أو يديشية، ولم يشر إلى العهد القديم أو التلمود أو الزوهار والباهير، وهي كتب تحتوي على ما هو أسوأ من البروتوكولات.
فالكتب المقدسة لدى اليهود مليئة بالحض على قتل الغير وكراهيته، وكانت بعض البلاد الغربية تفرض على اليهود أن يحذفوا بعض الفقرات التي تظهر عداء متطرفا للأغيار، وكان أعضاء الجماعات اليهودية يتبادلون فيما بينهم دون علم السلطات مخطوطات خاصة تضم المحذوفات التلمودية.
ولكن مع هذا يجب أن نتذكر أن من كتبوا النصوص التلمودية كانوا زعماء أقلية دينية مضطهدة تعبر عن كرهها وتدخل العزاء على قلوب أعضائها، وكانوا يكتبون بالآرامية التي كانت مجهولة لدى الأغلبية، فيستغرقون في الأحلام اللذيذة المستحيلة، وينسجون من الأوهام عن أنفسهم.
ومن المعروف أن الغالبية من اليهود دخلت في موجة العلمانية، ولم يعد المتدينون يشكلون سوى أقلية بين اليهود، وهؤلاء المتدينون أيضا لا يقرؤون التلمود الذي لا يؤمن به سوى أقلية ضئيلة لا تتجاوز 5% من اليهود.
بين الحقيقة والأسطورة، تبقى البروتوكولات واحدة من أكثر النصوص تأثيراً في الوعي السياسي الحديث.
فقد أسهمت في تشكيل صورة نمطية عن “المؤامرة العالمية”، وأثرت في خطاب السياسة والإعلام لعقود طويلة.
واليوم، في زمن تزوير الأخبار وصناعة الأكاذيب، يظل هذا الكتاب درساً مفتوحاً في أن النصوص المزوَّرة قد تغيّر مسار التاريخ، إذا لم تُقابل بوعي نقدي.
لكن
حتى لو لم تكن تلك البروتوكولات صناعة يهودية، فإن ذلك لا ينفي أنهم أخبث أهل الأرض..وأن اليهود – قاتلهم الله – هم العدو الأول للإسلام والمسلمين
المصادر
د. عبد الوهاب المسيري + الجزيرة نت