حل الدولتين( دولتان لشعبين، فلسطين والكيان، تتعايشان بسلام واتفاق) يحتل مساحة خاصة في أذهان البعض كخيار لإنهاء قضية الإحتلال الصهيونى، والذى يصفه ذلك البعض، جهلا( الصراع الفلسطيني الإسرائيلي )، إلا أن الواقع السياسي والتاريخي يعري الكثير من الادعاءات حول امكانية تحقيقه على أرض الواقع، خاصة في ظل تبجح الإحتلال وتعنته – بسبب ضعف وزن المسلمين بعدما تخلوا عن المنهج القويم للدين إلا من رحم الله- وسياسات الاستيطان المستمرة، مما يجعل هذا الحل يبدو كأوهام غرقت في مآتم الأمل دون تحقيق على أرض الواقع.
متى بدأ الاقتراح ومن الذي طرحه
بدأت فكرة حل الدولتين عام 1947 عندما قررت الأمم المتحدة على تقسيم فلسطين لدولتين، أحدهما عربية والأخرى يهودية مع فرض حكم دولى على القدس، ورفضت وقتها الدول العربية هذا القرار.
بعد ذلك شكلت دعوات انسحاب اسرائيل من المناطق التى احتلتها عام 1967 أساسا لفكرة حل الدولتين، وباتت معها دولة فلسطين قائمة على الضفة الغربية وقطاع غزة، اضافة الى القدس الشرقية التى يطالب الفلسطينيين بها كعاصة لدولتهم.
ثم تأخذ الفكرة مكانها على الساحة السياسية مع اتفاق أوسلو في 1993بين السلطة الفلسطينية بقيادة ياسرعرفات، وبين الكيان، حيث طرحت لأول مرة كخطة سلمية لإنهاء ماوصفوه- النزاع بين الفلسطينيين والصهاينة- جاء ذلك بدعم من المجتمع الدولي وخصوصا الولايات المتحدة.
وبعد ذلك، يأتى ياسر عرفات عام 1988، بإعلان ما اسماه( اعلان الاستقلال) الذى تحدث عن دولتين لشعبين، معترفا بذلك بدولة للكيان المحتل.
وفى عام 2002 استندت المبادرة العربية للسلام على المبدأ نفسه – مرورا بالحديث عن تنفيذ الفكرة بعد مؤتمر مدريد عام 1991- واقترحت المبادرة اقامة دولة فلسطينية مقابل علاقات طبيعية بين الكيان والدول العربية في اطار تدعيم فرص الحل.
في عام 2004، كتب جورج دبليو بوش الرئيس الامريكى، رسالة الى رئيس وزراء الكيان حينها اريل شارون، مفادها ان المستوطنات من شأنها ان تجعل من المسحيل على الكيان العودة الى حدود ما قبل 1967 في اى اتفاق سلام.
ومع وصول دونالد ترامب للرئاسة عام 2017، قوضت سياساته اى فكرة لإقامة دولة فلسطينية، بعدما نقل ترامب سفارة الكيان الى القدس واعترف بها عاصمة لهم، ومعه تشجع المحتلون لتوسيع نشاطهم الاستيطانى، وبناء الكيبوتات غير القانونية، وطرد الفلسطينيين من ارضهم.
ولما اندلعت الحرب على غزة، في السابع من اكتوبر- بعد مباغة العدو على يد المقاومة الفلسطينية وتلقينهم درسا قاسيا سجله التاريخ على أنه الحدث الذى سيغير خرائط العالم- أعاد جيش الاحتلال مخطط طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة لدول اخرى لتصبح هذه الارض لهم فقط، ولكن هذا حلم بعيد المنال في وجود المقاومة الفلسطينية المخلصة.
خطوات التنفيذ
تضمنت خطوات التنفيذ إعداد برتوكولات تفاوضية، وتبادل المناطق، وإقامة مؤسسات دولتية فلسطينية على بعض المناطق، وتشكيل حكومة فلسطينية ذات مهام محدودة، لكن كل تلك الخطوات اصطدمت بموانع كثيرة من بينها تشييد المستوطنات، وعدم الاعتراف الكامل من قبل الكيان بسيادة الدولة الفلسطينية المستقبلية.
معوقات التنفيذ
تتمثل أبرز المعوقات، في الاستيطان المستمر على الأراضي الفلسطينية خاصة في القدس الشرقية، وعدم الاتفاق على الحدود النهائية بين الطرفين، واستحالة تطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وخاصة القرارات 242 و 338 ، ما أوجد خلافات عميقة حول القدس وحق العودة، فضلا عن الاستهتار الصهيونى بالإجراءات الدولية وغياب الثقة الكاملة بين الطرفين.
من المستفيد ومن الخاسر
المستفيد الأكبر من استمرار الوضع الراهن هو الاحتلال الصهيونى الذي يوسع مستوطناته، ويعزز سيطرته على الأراضي، والحدود البحرية والجوية والدولية، أما الفلسطينيون المخلصون الذين يضحون بأنفسهم من أجل أرضهم ودينهم ومقدسات المسلمين، فهم ما زالوا يعانون من سهام الخيانة الداخلية والخارجية، وممارسات قمعية وتدهور اقتصادي، وسيطرة صهيونية على أجزاء كبيرة من أرضهم.
حل الدولتين اصبح حلما
المحللون يرون أن حل الدولتين أصبح حلما بعيد المنال في ظل السياسات الصهيونية الرافضة للانسحاب، وتهويد القدس، بينما تتابع وكالات الأخبار الدولية تقلبات الأوضاع وإصدار البيانات المنددة أو المؤيدة للحلول المطروحة، إلا أن معظم التقارير تتفق على أن التوصل لاتفاق جدي قد يطول أكثر خاصة مع التصعيد الأخير في الممارسات الاحتلالية.
هل يتوقع تنفيذه
بناء على التطورات الحالية والتحركات السياسية الأخيرة والحراك الدولي، يبدو أن احتمالات تحقق حل الدولتين تتضاءل يوما بعد يوم، خاصة مع تعنت الجانب الصهيونى، واستمرار سياسات الاستيطان المستفزة، وعدم وجود ثقة بين الطرفين ولن يكون لأنهم مغتصبين الأرض، الأمر الذي قد يجعل الحل على الورق وليس على الأرض.
موقف الدول العربية
موقف الدول العربية من حل الدولتين يتفاوت بين الدعم والانحياز، إلى مواقف قوية ضد السياسات الصهيونية الرافضة لحقوق الفلسطينيين، لكن في الوقت ذاته تدعو بعض الدول إلى حل تفاوضي يحقق حقوق الشعب الفلسطيني مع الحفاظ على الدور العربي والإسلامي في القضية دون تقديم تنازلات مجازية.
رأي علماء الدين الإسلامي
رأي علماء الدين الإسلامي حول حل الدولتين يختلف حسب الفهم والتفسيرات الدينية والسياسية لكل عالم أو جهة، لكن بشكل عام هناك توجهات عديدة منها:
الرفض المبدئي للحل
بعض العلماء يرون أن حل الدولتين غير مجدى بل يصل لعدم شرعيته، حيث تعتبر القدس وفلسطين أرضًا مقدسة لا يجوز التفريط فيها أو تقسيمها عن معتقداتهم أن فلسطين هي أرض إسلامية وأرض فدائية وشهادة، وأن السيطرة عليها حق شرعي لا يجوز التنازل عنه رغم تعقيدات السياسة والتاريخ.
القبول بشرط ضمان الحقوق
وضع علماء دين آخرون شروطًا محددة لتحقيق حل الدولتين تتمثل في ضمان حقوق الفلسطينيين كاملة بما فيها القدس وحق العودة وأن يكون الحل عادلًا يعكس الشريعة ومبادئ العدالة الإسلامية ويحقق السلام ويجنب المسلمين مزيدًا من التهجير أو التفريط في مقدساتهم، ولكن لن يدوم ذلك أبدا، لأن المقاومة ستظل تقاتل وتدافع عن الأرض حتى تحريرها بإذن الله.
التحذير من مسايرة السياسات الدولية على حساب العقيدة
ينبه كبار العلماء على أن الحلول السياسية التي تفتح الباب لمساومة على القدس والأقصى أو تتجاوز الثوابت الشرعية، ينبغي أن تخضع لضوابط الشرع وأن تتوافق مع مصلحة الأمة الإسلامية وشعوبها وأن لا تكون على حساب منظومة العقيدة.
الدعوة إلى الوحدة والعمل على نصرة القضية
يؤكد الكثير من العلماء على ضرورة الوحدة الإسلامية والعمل على نصرة فلسطين ودعم الحقوق الشرعية للفلسطينيين بلا تردد، وأن أي حل يتنافى مع ذلك ويهدد الثوابت الدينية لا يُقبل من منظور شرعي.
رأي غالبية علماء الدين الإسلامي يركز على أهمية التمسك بالمبادئ الشرعية والحقوق الدينية والثوابت العقدية، وعدم التفريط في الأراضي المقدسة ويدعون إلى العمل على دعم المقاومة والمطالبة بالحقوق وفق الشريعة الإسلامية ورفض أي حلول تخرج عن ذلك أو تسيء لمكانة القدس والمسجد الأقصى.
العلماء والدعاة المسلمين
-الشيخ أحمد الريسوني، رئيس حركة التوحيد والإصلاح المغربية، ورئيس سابق لاتحاد علماء المسلمين، وهو من العلماء المعتدلين، أكد على أهمية الوحدة الفلسطينية وعدم التفريط في القدس والمقدسات، مع ضرورة العمل على تحرير فلسطين كاملة.
-عاطف عبد الحميد (وزير سابق ومفكر مصري، يرفض فكرة تقسيم فلسطين ويؤمن بوحدة الأرض ويطالب بموقف إسلامي موحد يرفض التفريط، ويرى أن حل الدولتين يخالف العقيدة الإسلامية ويشجع على التنازل.
-د. يوسف القرضاوي، من العلماء المسلمين البارزين الراحلين، وكان دائمًا يطالب بالدفاع عن القدس والمقدسات والإسلام، وكان ينادي بانتصار الحق الفلسطيني، ورفض التنازل عن أي أجزاء من فلسطين، ويرى أن الحل السياسي يجب أن يكون وفقا لشروط شرعية، مع دعم المقاومة.
رفض مطلق لحل الدولتين
هذا هو رأي كثير من علماء التيار السلفي والجهادي وبعض الإسلاميين، وينطلق من الأسس الآتية:
- يرون أن كل أرض فلسطين وقف إسلامي، لا يجوز التنازل عن شبر منها.
- يعتبرون الاعتراف بدولة إسرائيل باطل شرعًا لأنه إقرار بكيان محتل.
- يقولون إن القتال هو السبيل الوحيد لتحرير الأرض، لا التفاوض أو الحلول السياسية.
من أبرز من يمثل هذا التوجه
بعض مشايخ السلفية في السعودية ومصر.، وحركات المقاومة الإسلامية في العالم الإسلامى، مثل حماس ( ذات المرجعية الإسلامية السنية ).
ثانيًا: القبول المشروط بحل الدولتين كمرحلة
هذا رأي بعض العلماء الذين يصفون أنفسهم بالمعتدلين أو البراغماتيين الذين يفرقون بين، الموقف الشرعي الثابت (أن فلسطين أرض إسلامية)، وبين الواقع السياسي المتغير (أن الأمة ضعيفة الآن).
فيرون أن حل الدولتين قد يكون مقبولًا كحل مؤقت أو مرحلي إذا أعيد للشعب الفلسطيني بعض حقوقه، وتوقف سفك الدماء، ووجد أمل في استرجاع باقي الحقوق مستقبلًا.
ثالثًا: السكوت أو عدم التصريح
بعض علماء أهل السنة يتجنبون الخوض في تفاصيل السياسة الدولية، ويكتفون بالتأكيد على المبادئ العامة، وهى، أن القدس وفلسطين أرض إسلامية، وأن الجهاد فرض في حال وجود احتلال، لكنهم لا يفتون بوضوح في حل الدولتين؛ ربما تجنبًا للصدام مع الأنظمة أو لعدم التخصص السياسي.