مقالات

حمدي شفيق يكتب: الوحيد الفريد أبو ذر الغفاري (2)

وقد لازم أبو ذر رسوله وحبيبه وتفرّغ لخدمته، وتلقّى القرآن والحديث عنه من بعد غزوة بدر إلى أن لقي ربّه..وإن كان قد فاته شهود بدر، فقد كان مُقيمًا في ديار قومه-بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم- للدعوة والتعليم والتوجيه، وليس هذا بأقل مما فاته..وقد شارك بعد ذلك في كل الغزوات النبوية، ثم الفتوح الكبرى في عهد أبى بكر وعمر وعثمان، رضي الله عن الجميع.. وقد كانت لأبى ذر منزلة خاصة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، لما كانت فيه من خصال حميدة، كالصدق والزهد وحب العلم والورع الشديد..

فقال عنه :” ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر”.

وكذلك روى الإمام الذهبي في «سير أعلام النبلاء» أنه سأل أصحابه يومًا: «أيكم يلقاني على الحال الذي أفارقه عليه؟ فقال أبو ذر: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر؛ من سره أن ينظر إلى زهد عيسى فلينظر إلى أبي ذر»..

وفى رواية مرسلة أن النبي قال: «اللهم اغفر لأبي ذر وتب عليه».. وروى أيضًا قوله : «إنه لم يكن نبي إلا وقد أعطي سبعة رفقاء ووزراء، وإني أعطيت أربعة عشر» وذكر فيهم أبا ذر..

وهناك الموقف المعروف في غزوة تبوك، حين لحق أبو ذر بالجيش، وحيدًا ماشيًا-وكان قد تأخّر بسبب مرض بعيره- فقال عنه : «يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده» وقد حدث ذلك كذلك تمامًا فيما بعد، فأصبح هذا الحديث من دلائل النبوة.

وفضلًا عن الجهاد بالسيف، كان لأبى ذر رضي الله عنه دور عظيم آخر..فقد بارك الله فيما بقى له إلى جوار النبي من سنوات قلائل، فكان يُلازمه حتى الليل، ويحفظ كل ما يصدر عنه من قول أو فعل، وبهذا صار-مع عدد من الصحابة كأبي هريرة وغيره- من أهم وأعظم أوعية الحديث الشريف، وروى كل منهم عنه مئات الأحاديث، وبهم حفظ الله تعالى علوم الإسلام، وتناقلها وسيتناقلها عنهم المُحدّثون، جيلا بعد جيل، إلى أن يرث الله الأرض ومَن وما عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى