مقالات

حمد الخراز يكتب: هل تلوح مبادرة سعودية في الأفق

تعيش دولة ليبيًا على وقع كثير من المعطيات الأمنية والعسكرية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، ولكل من هذه المعطيات تأثيره سلبا وإيجابا بحسب تقبل أصحاب النفوذ من جماعات مسلحة وساسة ورفضهم لها.

فليبيا تعيش منذ اندلاع ثورتها 2011 على وقع هذه المعطيات ومنذ السنين الأولى للثورة خرجت مبادرات عديدة للتطويع والاستفادة من المعطيات لصالح استقرار الدولة،

فعلى سبيل المثال عندما تحركت قوات من الشرق الليبي اتجاه الوادي الأحمر 2012 للمطالبة ببعض الأمور التي سموها حقوقا.

وخرجت بعض المبادرات من مدينة الزاوية وغيرها كالتنازل عن بعض مقاعد المؤتمر الوطني لصالح المنطقة الشرقية أو برقة. وهكذا توالت المبادرات المحلية والدولية حسب المعطى الموجود على الأرض إلى أن وصلنا إلى اتفاق جنيف مرورا باتفاق الصخيرات.

غير أن ما يلفت انتباه المتتبع للمشهد الليبي أن المبادرات تأتي دائما عقب أزمة ما عسكرية أو سياسية أو اقتصادية خانقة

ما يدلل على أن أصحاب وتعكس المبادرات في مجملها أصحاب مصالح ضيقة يحاولون الاستفادة من هذا الحدث أو ذاك.

ولتقديم مبادرة مختلفة وتهيئة أجواء إيجابية مختلفة عن سابقتها حاولت بعض الدول غير المتضررة من الواقع الليبي

 وغير المستفيدة في الآن نفسه تقديم مبادرة للإصلاح السياسي والاجتماعي في ليبيا من منطلق إنساني عروبي إسلامي

للخروج بهذا البلد من دوامة الصراعات والالتفاف حول مبادئ جامعة حاكمة تضبط العملية السياسية حتى لا تعود لانتكاسة أكبر.

ومن خلال المتابعة وما آلت إليه الأوضاع بعد سنة 2023 نلاحظ صدق هذا التوجه على الأقل من وجهة نظر المسؤولين السعوديين.

لكن السؤال المهم الآن وبعد مرور أكثر من سنة على هذه المحاولة أين هي المبادرة السعودية؟

للإجابة عن هذا السؤال.. دعونا نتتبع بعض الأحداث والمواقف والتصريحات ونوضح بعض ملامح تلك المبادرة حتى يتجلى لنا الأمر ويتضح.

وضع المسؤولين السعوديين على عاتقهم التوصل لحل جذري للقضية الليبية فتم التواصل مع عديد الشخصيات السياسية منها عبد الباسط القاضي ومحمد مطيريد ومصطفى نوح ومحمد القدار وربيعة بوراس وغيرهم.

ولأن الجانب الدولي والإقليمي مهم جدا فقد وضعت المملكة خطة محكمة للتواصل مع عدة أطراف منها أمريكا وروسيا

ومصر ولأن واشنطن غير معنية حقيقة بإيجاد حل فحاولت وضع المعوقات وأوحت للجانب السعودي بأن لا فائدة من خلق مسار آخر للحوار.

بينما روسيا بطبيعة أهدافها في ليبيا كانت أكثر إيجابية وتعاونا مع السعوديين وبعد تدقيق خلص المسؤولون السعوديون إلى إشراك الروس في المبادرة فكان التواصل مع السفير الروسي ليكون جزءا من حلقة الوصل مع الشخصيات الليبية، وقد تكون عودة السفير الروسي للعمل من داخل ليبيا جزءا من التحضير لهذه المبادرة،

ولبيان أهمية دور السعودية في الملف الليبي ننقل هنا كلاما للأستاذ حمد الخراز  الذي جاء فيه “أن السعودية من الدول التي تستطيع حل الأزمة الليبية لثقلها الإقليمي والدولي وأن تدخلات جميع الأطراف منذ اندلاع الثورة 2011 لخدمة مصالح دول بعينها،

وأن هذا التدخل مستمر نظرا لوجود أطراف داخلية متحالفة مع تلك الدول والجهات الأجنبية ولا نريد القول بأنه ليس هناك حل قريب للأزمة الليبية في حال تدخل دول قادرة بعينها مثل السعودية التي تستطيع أن تتفاوض مع الأطراف الفاعلة في الشأن الليبي الداخلي.

 ووصول الأطراف إلى القناعة التامة بضرورة أن تستقر ليبيا خلال الفترة القادمة، وذلك بسبب التوترات الإقليمية والصراعات الدولية المحيطة”.

والجميع على علم بإنهاء الصراع اللبناني العميق بعد اتفاق الطائف بمبادرة سعودية لذلك لن يتردد الوطنيون الليبيون في قبول الانخراط في هذه المبادرة حال إطلاقها.

رئيس حكومة الوحدة الوطنية ومن خلال قراءة سريعة لعدة تصرفات وأحداث تستبط أنه حاول بكل قوة أن يعرقل أي دور سعودي وإطلاقها لأي مبادرة.

ولإثبات ذلك نرى خلافا كبيرا بين الدبيبة وقوة الردع التي يتهمها أنصاره بأنها موالية ومقربة من السعودية وأن أي مبادرة ستؤجج هذا الخلاف ويدرك الدبيبة أن السعودية ومسؤوليها لا يمكن شراؤهم بالمال وأنهم لن يحابوا أحدا في هذا الحوار إلا ليبيا.

ثم نجد تصريحات مفتي ليبيا المقرب من الدبيبة وانتقاده لكل ما هو سعودي لحد شيطنتها وتأثير ذلك على المتابع وعلى أي مبادرة قد تعلن، بالإضافة إلى نشاط المدونين المحسوبين على حكومة الدبيبة الذين يقومون بنشاط غير عادي في انتقاد المملكة

وتصوير أعمالها بأنها معادية للأمة الإسلامية وأنها تسعى إلى زعزعة استقرار البلدان الإسلامية

 رغم عدم إتيانهم بدليل واحد على ما ذهبوا إليه.

ولوضع القارئ الكريم أمام الأدلة عليه بالعودة لصفحات عدد من هؤلاء الناشطين فضلا عن عدد ممن يعرفون بأنهم مشائخ محسوبين على دار الإفتاء.

كل هذه الأحداث والتصرفات تدلل على أن الدبيبة يرفض حلا سعوديا مما يؤثر على العلاقة الثنائية بين البلدين.

من خلال ما تم استعراضه سابقا فإننا نخلص إلى أن الدبيبة يسعى إلى ضرب علاقة البلدين في مقتل كأنه يستحضر سبعينات وثمانينات وتسعينيات القرن الماضي إبان حكم القذافي ويسير على نفس الخطى.

كما أن تقارب الدبيبة مع الإمارات من شأنه أن يعصف بعلاقة ليبيا مع السعودية حيث تسعى الإمارات إلى بسط نفوذها

في عديد من الأماكن وفرض أجندة مخالفة لما يتماشى مع السياسة السعودية في المنطقة. الأمر الذي يضر بمصالح ليبيا والسعودية معا.

خلاصة الموضوع أن الدبيبة يسعى إلى كسب تيار معاد في حقيقته للسعودية ومن أجل ذلك فهو على استعداد لفعل أي شيء ليبرز وكأنه هو من يحارب المملكة.

حمد الخراز

كاتب ومحلل سياسي ليبي، مدير عام منظمة الشرق الأوسط للعدالة وحقوق الانسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى