بعد أكثر من شهر على اعتراض سفينة “مادلين” وإعاقة محاولتها إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، أبحرت صباح الأحد سفينة جديدة من “أسطول الحرية”، تحمل اسم “حنظلة”، من ميناء سيراكيوز في جزيرة صقلية الإيطالية.وعلى متنها نشطاء دوليون، في محاولة جديدة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، ورفضا للإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون فيه.
تحمل السفينة نشطاء من مختلف الجنسيات، بينهم شخصيات سياسية وبرلمانية، بالإضافة إلى كمية من المساعدات الإنسانية تتضمن مواد غذائية وأدوية ولوازم طبية وأخرى للأطفال في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من عقدين، والذي يعاني اليوم من أزمة إنسانية حادة نتيجة الحرب المستمرة والقيود المشددة على الحركة والواردات.
وغادرت “حنظلة” الميناء في مشهد تخللته هتافات التضامن من الحاضرين الذين احتشدوا في المرسى لدعم الرحلة، بعضهم حمل العلم الفلسطيني وبعضهم الآخر ارتدى الكوفية، مرددين “فلسطين حرة”.
تأتي هذه الرحلة ضمن سلسلة من المحاولات الدولية لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة،منذ بدء العمليات العسكرية في تشرين الأول/أكتوبر 2023 .
تحالف أسطول الحرية
وأكدت اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة أن “هذا التحرك الشعبي والدولي يأتي امتدادا لسفن سابقة مثل ’الضمير’ و’مادلين’، ومقدمة لموجة تضامنية أكبر خلال هذا العام”.
وأضافت: “جرائم الاحتلال، من قرصنة بحرية، واختطاف النشطاء، ومصادرة السفن، واعتقال المتضامنين لن تُرهبنا، ولن توقف مساعينا، ما دام الحصار مستمرًا”.
وأردفت: “إننا في اللجنة الدولية، وضمن تحالف أسطول الحرية، نعمل على تصعيد الحراك البحري الدولي لكسر الحصار”.
وفي هذا المجال دعت “جميع الحراكات والمؤسسات التضامنية حول العالم إلى توحيد الجهود وتصعيد الضغط على الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه الدوليين، من أجل إنهاء الحصار تمهيدًا لإنهاء الاحتلال نفسه، باعتباره أصل كل مآسي المنطقة”، وفق البيان ذاته.
صرخة ضمير عالمي في وجه التطبيع
وشددت اللجنة على أن “سفينة حنظلة ليست مجرد قارب، بل صرخة ضمير عالمي في وجه التطبيع مع الحصار، ورسالة إلى شعوب العالم أن التحرك التضامني ليس خيارا، بل واجباً إنسانيًا وأخلاقيًا”.
وحيّت صمود الفلسطينيين في غزة، مؤكدة أهمية تتبع السفينة حنظلة ومسارها عن كثب “لحماية المتضامنين على متنها وتعزيز رسالتها وأهدافها
وختمت اللجنة بالتأكيد على أنها لن تترك غزة وحدها.
لماذا اسمها حنظلة؟
أخدت السفينة اسمها من شخصية “حنظلة” التي تعد أيقونة فلسطينية رمزية ابتكرها الفنان الكاريكاتيري الفلسطيني ناجي العلي عام 1969، وتُعتبر رمزاً للصمود والمقاومة الفلسطينية.يجسد حنظلة طفلا يقف مكتوف اليدين ويدير ظهره للعالم، معبراً عن رفضه للظلم والتطبيع مع الحلول السياسية التي لا تحقق العدالة للفلسطينيين.
استوحى ناجي العلي الذي اغتِيل في أوروبا بسبب عدم تخليه عن قضية وطنه وعن أرضه المستباحة، اسم “حنظلة” من نبات الحنظل الصحراوي المعمّر ذي الثمرة المرة والجذور العميقة والذي يعاود النمو حتى لو قُطع، مما يرمز إلى صمود الشعب الفلسطيني وقوّته رغم المعاناة والتهجير.
يُمثل حنظلة الطفل اللاجئ الفلسطيني الذي غادر وطنه عام 1948 خلال النكبة، وهو في سن العاشرة، وهي السن التي كان عليها ناجي العلي حين هُجر.
كان ناجي العلي طفلاً صغيراً حين أُرغم مع عائلته ومئات الآلاف من الفلسطينيين، إلى ترك قراهم ومنازلهم والنزوح إلى دول الجوار. كان نصيب ناجي أن ينزح مع أهله إلى لبنان، لكن قلبه ووجدانه بقيا معلقين بالأرض التي وُلد فيها، فصوّر نفسه على هيئة طفل يقف وحيداً، شابكاً يديه وراء ظهره، ينظر إلى فلسطين بينما الجميع غادروها ونسوا أمرها.
اتخذه العليّ بمثابة توقيع له على لوحاته، وحصدت الشخصية ثناء الجماهير العربية، وصارت رمزا للصمود الفلسطيني.
وأما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي “كتفته بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأميركية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبعاً”.
ورغم تعهدات عدة دول بالتحرك دبلوماسياً، لا تزال أي محاولة لدخول غزة عبر البحر محفوفة بالمخاطر،كما حدث مع سفينة “مادلين” التي أبحرت في الأول من حزيران/يونيو الفائت، وكان على متنها الناشطة الشهيرة غريتا ثونبرغ والنائبة الأوروبية ريما حسن، التي اعتقلت لاحقاً بعد ثلاثة أيام من اعتراض السفينة على بعد نحو 185 كيلومتراً من سواحل غزة.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 196 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال.