نيويورك، ومن هناك ينضم إلينا السيد البروفيسور جيفري ساكس، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة كولومبيا. سيد ساكس، مرحبًا بك على قناة الجزيرة مباشر.
س: هل اقتربنا من اللحظة التي كنت ترفضها يومًا ما، خراط الولايات المتحدة الأمريكية في حروب جديدة، وخصوصًا في الشرق الأوسط ضد إيران؟ هل اقتربنا الآن من هذه اللحظة؟
ج: نعم، أعتقد أن دونالد ترامب يعلن بصوت عالٍ أن الولايات المتحدة على وشك التدخل ومهاجمة إيران.
س: أم باعتقادك، لو حدث ذلك، فهل سيكون هذا خطوة في صالح الولايات المتحدة الأمريكية؟
ج: أعتقد أن ذلك سيكون كارثة أخرى بالنسبة للولايات المتحدة وللعالم بشكل عام. أساسًا، حروب الشرق الأوسط على مدى السنوات الماضية، معظمها كانت تسببت بها إسرائيل من خلال استفزازها لدول المنطقة، وعبر كوارث شهدتها المنطقة تمتد من ليبيا إلى السودان إلى الصومال، وصولًا إلى غزة والضفة الغربية، علاوة على سوريا ولبنان والعراق، والآن إيران.
س: ما الذي تغير؟ ما الذي غيّر دونالد ترامب؟ الرجل جاء على قاعدة أننا لا نريد أن نتورط في حروب، “سأنهي كل الحروب في العالم، أمريكا أولًا”. الآن الرجل، على ما يبدو، يقترب من وحل حرب جديدة تدخل فيها الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. بشكل أساسي، اللوبي الإسرائيلي هو الذي يسيطر على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وكأنه يملي على ترامب ما يتعين عليه فعله. لكن هل ترامب، آسف على اللفظ، فاقد للوعي أو للبوصلة؟ يعني، يتخلى عن جمهوره، عن من أعطاه صوته على قاعدة “لا حروب جديدة”؟
ج: الرأي العام الأمريكي والمصوتون ليس لديهم تأثير كبير على السياسة الأمريكية، وهذا ينطبق تحديدًا على السياسة الخارجية. معظم الحروب التي شاركت فيها الولايات المتحدة وخاضتها لم تحظَ بالشعبية ولم تلقَ دعمًا من الرأي العام الأمريكي، وقامت على معلومات خاطئة، بدءًا من حرب فيتنام وما بعدها. ولذلك، الولايات المتحدة ربما لا تلقي بالًا للرأي العام، وهذا ربما يحدث في هذه الحالة أيضًا. أما بالنسبة لمقطع شهير لك، قلت فيه إن بنيامين نتنياهو يحاول بكل قوته أن يسحب الولايات المتحدة الأمريكية لحرب ضد أعدائه في الشرق الأوسط، حتى إن الرئيس ترامب قام بإعادة نشر هذا المقطع على صفحته على “تروث سوشيال”.
س: هل الآن نستطيع أن نقول إن بنيامين نتنياهو نجح بالفعل في ذلك؟
ج: نعم، أعتقد أن الموساد ووكالة الاستخبارات الأمريكية تعاونتا، وكل الرؤساء الأمريكيين السابقين أنصاعوا ربما إلى استراتيجيات الموساد ووكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، بما في ذلك الحروب التي شهدتها ليبيا والصومال والسودان وسوريا ولبنان والعراق، والآن إيران.
س: ونحن على مدى السنوات الماضية كنا ربما على علم بخطة تتعلق بسبع حروب، ست حروب حدثت فعلًا، والآن نحن في خضم الحرب السابعة المدرجة على قائمة نتنياهو، إذا صح التعبير. وإذا انتهت، يعني إذا قاموا بضرب إيران وتغيير النظام، هل سنستريح؟ يعني، هل الولايات المتحدة الأمريكية لن تخوض حروبًا أخرى في الشرق الأوسط؟
ج: أعتقد أن الحروب مستمرة، لأن الولايات المتحدة تحاول أن تكون أشبه بالإمبراطورية التي تسيطر على العالم، ومعظم العالم لا يريد للولايات المتحدة أن تكون قوة إمبريالية. ولذلك، لا أرى سلامًا ينجم عن هذه الحروب، بل نزاعات مستمرة لا نهاية لها.
س: ما هو أكثر السيناريوهات رجحانًا من وجهة نظرك، خصوصًا لو قرر ترامب الدخول على خط المواجهة ضد إيران؟
ج: طبعًا، ليس لدي كرة سحرية أو ربما أتنبأ بالمستقبل، ولكن أعتقد أن هذه الحرب ستكون حربًا طويلة وخطيرة جدًا، يمكن أن تذهب ربما إلى حرب نووية. لا أعتقد أن إيران عاجزة، ولا أنها تتصرف لوحدها، لأن هناك جهات أخرى في العالم لا تريد لإسرائيل أن تهيمن على منطقة الشرق الأوسط.
س: ولا حتى إمبراطورية الولايات المتحدة أن تهيمن على الشرق الأوسط. من هذه الجهات؟ هل لك أن تعطينا أمثلة؟
ج: ربما أقول إن معظم دول العالم خارج الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل لا تقبل هذه الهيمنة الأمريكية على العالم، وهي تريد عالمًا متعدد الأقطاب، لا يكون فيه رئيس الولايات المتحدة يطلب بشكل أحادي استسلام الدول. وكما تعرف، إن دول البريكس أو مجموعة البريكس تضم إيران، والرئيس الأمريكي طلب استسلامًا غير مشروط من إيران اليوم، كما عرفنا وبشكل واضح وجلي. ورأينا مثل هذه المطالب، ولم يسبق أن رأينا مثل هذه المطالب من رؤساء أمريكيين سابقين، على الأقل في الحقبة المعاصرة، ولا حتى صدرت مثل هذه التصريحات أو التهديدات من أي رئيس دولة أو زعيم في عصرنا الحالي.
س: هل لديك تفسير؟
ج: أعتقد أن هذا تصرف إمبريالي لم نتوقع أن يصدر أو يظهر بهذا الشكل، على الأقل في جيلنا. هل لديك تفسير لأن يقول الرئيس الأمريكي لـ17 أو 19 مليون إيراني: “اخرجوا من طهران الآن”، ثم يستيقظ صباحًا ويقول للنظام: “استسلموا الآن في هذه اللحظة دون شروط”؟ هل هناك تفسير لهذا الأمر؟ أعتقد أن الهدف من هذه التصريحات هو ترويع وإخافة إيران، وجعلها تضطرب وتدخل في فوضى، وفي نهاية المطاف هزيمة إيران. هي أشبه بما تقوم به إسرائيل من خلال طلبها من الفلسطينيين أن يغادروا أو يرحلوا عن مناطق معينة من غزة، وعندما يذهبون إلى المواقع التي تطلب منهم إسرائيل الذهاب إليها، فإنها تقوم بقصفهم وقتلهم. لذلك، أعتقد أن هذا ربما استعراض للقوة المطلقة، وهذا ما يهدف إليه ترامب، وهو، كما ذكرت، إخافة إيران وترويعها.
س: هل ستستسلم إيران؟ هل سيسقط النظام الإيراني؟
ج: شخصيًا، أشك في ذلك، لأنه من واقع الخبرات والتجارب في عصرنا، فإن الدول أو الأنظمة لا تستسلم لمثل هذه التهديدات، ولا حتى عمليات القصف الجوي تؤدي إلى استسلام في معظم الحالات التي شهدها العالم المعاصر. فشلت ولم تكلل بالنجاح. وأعتقد أن استراتيجية إسرائيل تهدف إلى شل العدو وقيام بعمليات اغتيالات وشيء من هذا القبيل. لذلك، فكرة إسرائيل أنه إذا ما تمكنت من قتل صدام حسين أو قتل القذافي أو الإطاحة بنظام الأسد، فإن الحل قد تحقق. ولكن التاريخ لا يدعم مثل هذه المقاربات وهذه الطروحات. لذلك، أنا شخصيًا لا أعتقد أن نتيجة هذا النزاع وهذه التهديدات ستكون كما يعتقد.
س: لكن أنت تحدثت عن أن هناك دولًا لا تريد لإسرائيل أن تنتصر بهذا الشكل، ولا لانهيار النظام في إيران. الآن، حتى حلفاء إيران القريبون، على سبيل المثال روسيا أو الصين، لا نرى لهم دورًا حقيقيًا، يعني فقط تصريحات دبلوماسية، ليس أكثر أو أقل. هل هناك تفسير لهذا؟
ج: أعتقد أن كلاً من روسيا والصين تتوخيان الحذر، لأنهما لا تريدان أن تحدث حربًا نووية مع الولايات المتحدة. لذلك، هذان البلدان يراقبان الوضع وينتظران، ولكن لا أعتقد أن هذين البلدين سيستسلمان لرغبات أو إرادة الولايات المتحدة. ولذلك، أعتقد أنهما يراقبان ويقومان بحساباتهما الخاصة.
حوار أجراه الإعلامي أحمد طه على قناة الجزيرة مباشر