حيرة بين الحرية والفوضى واقع الإعلام والتواصل الاجتماعي
بقلم: محمد العنبري
في حقبة كانت فيها السلطات تحتكر وسائل الإعلام وأجهزة التثقيف كانت الشعوب تتطلع إلى بصيص من الحرية للتعبير عن حاجاتها وطموحاتها وآرائها كان الصوت المقيد يتوق إلى أن يسمع، وكانت الأفكار المكبوتة تتوق إلى أن تتحرر كان المجتمع يعيش تحت وطأة رقابة شديدة حيث كانت الأفكار والآراء تخضع لفلترة دقيقة، ولم يكن هناك مجال للاختلاف أو التنوع ومع ذلك كانت هناك رغبة ملحة في التحرر، في كسر القيود والتعبير عن الذات بصدق وحرية.
مع مرور الزمن جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتفتح أبواباً جديدة أمام حرية التعبير أصبح بإمكان أي شخص أن يعبر عن رأيه، أن يشارك أفكاره أن يبني جمهوراً وأن يترك بصمته في العالم الرقمي لكن مع هذا الانفتاح الكبير جاءت الفوضى، الفوضى في المعلومات الفوضى في الآراء، الفوضى في الأخبار أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مسرحاً لمعارك كلامية، لانتشار الشائعات، لتضليل المعلومات أصبحت الأصوات المتعددة تتداخل وتتنازع، وأصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والزيف.
في هذه الفوضى نجد أنفسنا نتساءل هل الحرية تستحق هذا الثمن؟ هل يمكن أن نجد توازناً بين الحرية والفوضى؟ الحل ربما يكمن في التعليم والتوعية نحن بحاجة إلى تعليم الناس كيفية التعامل مع المعلومات، كيفية التحقق من المصادر، كيفية النقاش بموضوعية واحترام نحن بحاجة إلى تطوير قدرات التفكير النقدي لدى الأفراد، لكي يتمكنوا من التمييز بين الحقيقة والزيف، بين الجيد والسيئ.
قد تكون الحلول التقنية أيضاً جزءاً من الحل يمكن تطوير خوارزميات أكثر ذكاءً لتنظيم المحتوى، لتصفية المعلومات الزائفة، ولتقديم محتوى موثوق وذي جودة عالية لكن حتى هذه الحلول التقنية لن تكون كافية بدون وجود وعي فردي ومجتمعي بأهمية المسؤولية في التعبير والنشر.
في نهاية المطاف يجب أن ندرك أن الحرية تأتي مع مسؤولية، مسؤولية كل فرد في التعبير عن رأيه بصدق واحترام، ومسؤولية كل مجتمع في دعم الحوار البنّاء والمثمر نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، في كيفية استغلالها بشكل إيجابي لتحقيق تطلعاتنا وأهدافنا نحن بحاجة إلى إيجاد توازن بين الحرية والفوضى، توازن يسمح بالتعبير الصادق والمسؤول، توازن يحقق لنا ما كنا نتطلع إليه من حرية دون أن نفقد السيطرة على الفوضى.
إذاً هل يمكن أن نحقق هذا التوازن؟ هل يمكن أن نجد حلاً وسطاً بين الحرية والفوضى؟ ربما يكمن الجواب في كل منا، في استعدادنا لتحمل المسؤولية، في قدرتنا على التفكير النقدي، في رغبتنا في الحوار البناء ربما يكمن الحل في العمل المشترك، في التعاون بين الأفراد والمجتمعات والسلطات لتحقيق هذا التوازن المنشود فهل نحن مستعدون للتحدي؟