مع كل مشهد ظلم تمارسه الولايات المتحدة ضد الشعوب المستضعفة، تتصاعد في وجدان المظلومين قناعة راسخة أن عدل الله قادم لا محالة، وأن قوة الطغاة لن تحميهم حين تأتي ساعة الحساب، فالإمبراطورية التي اعتادت فرض هيمنتها عبر الحروب والتجويع والعقوبات والاحتلال تبدو اليوم في مواجهة غير متوقعة مع قوة الطبيعة وهي قوة لا تملك أمامها أي سلاح ولا تفيد معها ترسانة الأساطيل والطائرات.
موعد مع اعصار ايرين
تقترب السواحل الأمريكية هذه الأيام من موعد مع إعصار إيرين الذي تتابعه وسائل الإعلام العالمية بترقب شديد وتحذر منه المؤسسات البيئية باعتباره قد يشكل تهديدا مباشرا لملايين المواطنين على طول الساحل الشرقي، وتأتي هذه التطورات في وقت تتصاعد فيه التساؤلات حول معنى العدالة الإلهية حينما تضرب الكوارث قوى كبرى اشتهرت بتصدير الأزمات للآخرين.
ضرب سواحل امريكية
فبعد تكثف قوته وتضخم حجمه، ضرب إعصار “إيرين” مناطق من الكاريبي، منذ يومين، وسط توقعات بتوليده أمواجاً وتيارات مائية خطيرة على امتداد الساحل الشرقي للولايات المتحدة خلال الأسبوع الجاري.
وتصاعدت شدة العاصفة بعد تحولها إلى إعصار من الفئة الرابعة، حيث بلغت سرعة الرياح المستمرة 130 ميلاً في الساعة (215 كم/س) مساء أمس، بينما بدأت تأثيراتها الخارجية تضرب جزر العذراء وبورتوريكو، وفقاً لتقارير مركز الأعاصير الوطني الأمريكي في ميامي.
ومن المتوقع أن يجلب الإعصار عواصفاً مدارية إلى جزر توركس وكايكوس وسواحل جنوب شرق جزر الباهاما خلال الليلة الماضية وحتى اليوم بالتوقيت المحلي.
آثار ايرين عميقة
يقول خبراء المناخ إن التغيرات البيئية المتسارعة في السنوات الأخيرة جعلت الأعاصير أكثر عنفا وأوسع نطاقا وهو ما يجعل إيرين مرشحا لأن يترك آثارا عميقة على الاقتصاد والبنية التحتية في الولايات المتحدة، في حين يرى مراقبون سياسيون أن هذه الكوارث تكشف هشاشة القوة العظمى أمام إرادة كونية لا يمكن التحكم فيها أو مواجهتها.
قوانين إلهية
وفي السياق ذاته يربط محللون بين تزايد الكوارث الطبيعية وبين فلسفة القوة والهيمنة التي تمارسها واشنطن عبر تدخلاتها العسكرية في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، فالمعادلة تبدو بالنسبة للكثيرين واضحة، اله السماء والأرض لا يترك الظلم بلا حساب، وحين يخذل العالم المظلومين فإن القوانين الإلهية تتكفل بخلق موازين جديدة ولو عبر الأعاصير والفيضانات والزلازل.
ولعل الأخطر من ذلك أن تكرار هذه الكوارث يهدد أيضا صورة الولايات المتحدة كقوة مهيمنة لا تقهر، فحينما يقف المواطن الأمريكي عاجزا أمام إعصار يجتاح مدنه ويقطع الكهرباء عن الملايين ويغلق المطارات والموانئ، فإن العالم يرى بوضوح أن القوة العظمى ليست سوى كيان هش أمام غضب الطبيعة، وأن ما يُنفق على التسليح والحروب الخارجية كان الأولى أن يوجه لحماية الداخل وتحصينه.
الوجه الحقيقة لأمريكا
ويخلص خبراء العلاقات الدولية إلى أن مواجهة الأعاصير والفيضانات والحرائق تكشف الوجه الحقيقي لأمريكا المنهكة داخليا والمثقلة بصراعات خارجية، وفي حين تزداد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في الداخل فإن الإدارة الأمريكية تواصل الانشغال بحروب لا نهاية لها وكأنها لم تتعلم بعد.
هل تفيق امريكا؟
وفي النهاية يبقى السؤال الأكبر هل تستفيق أمريكا من غطرستها قبل أن تدفع ثمنا أكبر أم أن موعدها مع العقاب الإلهي قد اقترب الأعاصير ليست مجرد حوادث طبيعية بل رسائل صارخة بأن الطغيان مهما امتد لن يدوم، وأن الدماء التي سُفكت والحقوق التي نُهبت ستعود كزلزال يهز عروش الظالمين، وحين يعجز البشر عن ردع الاستكبار تتدخل القوانين الكونية من رب العالمين لتعلن أن لا قوة تعلو فوق قوة الله وأن موعد الحساب قد حان شاءت واشنطن أم أبت.